فأعجزوها.
أما الليل فصافون أقدامهم ، تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا ، يعظون أنفسهم بأمثاله ، ويستشفون لدائهم بدوائه ، تارة ، وتارة مفترشون جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يمجدون جبارا عظيما ويجأرون إليه جل جلاله في فكاك رقابهم ، هذا ليلهم ; فأما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء ، براهم خوف باريهم فهم أمثال القداح ، يحسبهم الناظر إليهم مرضى وما بالقوم من مرض ، أوقد خولطوا ، وقد خالط القوم من عظمة ربهم ، وشده سلطانه أمر عظيم. طاشت له قلوبهم ، وذهلت منه عقولهم ، فاذا استقاموا من ذلك بادروا إلى الله تعالى بالاعمال الزاكية ، لا يرضون له بالقليل ، ولا يستكثرون له الجزيل ، فهم لانفسهم متهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إن زكي أحدهم خاف مما يقولون ، وقال : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم بي ، اللهم لا تؤا خذني بما يقولون ، واجعلني خيرا مما يظنون ، واغفر لي مالا يعلمون ، فانك علام الغيوب ، وساتر العيوب.
هذا ومن علامة أحدهم أن ترى له قوة في دين ، وحزما في لين ، وإيمانا في يقين ، وحرصا على علم ، وفهما في فقه ، وعلما في حلم ، وكيسا في رفق ، وقصدا في غنى ، وتجملا في فاقة ، وصبرا في شدة ، وخشوعا في عبادة ، ورحمة للمجهود ، و إعطاء في حق ، ورفقا في كسب ، وطلبا في حلال ، وتعففا في طمع ، وطمعا في غير طبع أي دنس ـ ونشاطا في هدى ، واعتصاما في شهوة ، وبرا في استقامة ، لا يغره ماجهله ولا يدع إحصاء ما عمله ، يستبطئ نفسه في العمل ، وهو من صالح عمله على وجل يصبح وشغله الذكر ، ويمسي وهمه الشكر ، يبيت حذرا من سنة الغفلة ، ويصبح فرحا لما أصاب من الفضل والرحمة ، إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره ، لم يعطها سؤلها فيما إليه تشره ، رغبته فيما يبقى ، وزهادته فيما يفنى ، قد قرن العمل بالعلم والعلم بالحلم ، يظل دائما نشاطه ، بعيدا كسله ، قريبا أمله ، قليلا زلله ، متوقعا أجله ، خاشعا قلبه ، ذاكرا ربه ، قانعة نفسه ، عازبا جهله ، محرزا دينه ، ميتا