والايمان عموم من وجه ، لتحققهما فيمن صدق بالمسائل الاصولية ، وأتى بالطاعات مخلصا ، وانفراد الاسلام فيمن أقر بالشهادتين ظاهرا مع كونه غير مصدق بقلبه وانفراد الايمان فيمن صدق بقلبه بالمعارف ، وترك الطاعات غير مستحل ، فانه لا دين له حيث لم يقم الصلاة ولا آتى الزكاة كما هو المفروض ، فلا إسلام له ، لان الدين عند الله الاسلام ، وهو في غاية البعد والاستهجان ولم يذهب أحد إلى أنه قد يكون المكلف مؤمنا ولا يكون مسلما.
هذا إن اعتبرنا النسبة بين مطلق الاسلام والايمان حقيقيا أو ظاهريا وإن اعتبرنا النسبة بين الحقيقيين فقط أي ما هو إسلام وإيمان عند الله تعالى ، كانا متحدين عند من جعلهما الطاعات ، وعند من اكتفى بالتصديق يكون الايمان أعم مطلقا وهو أيضا غريب ، إذ لم يذهب إليه أحد ، ولا مخلص له عن هذا الالزام إلا بالتزامه إذ يدعي أن تارك الطاعات غير مستحل مسلم أيضا ويتأول الدين في قوله تعالى « وذلك دين القيمة » بالدين الكامل ، ويكون المراد بالدين في قوله تعالى : « إن الدين عند الله الاسلام » الدين الاصلي الذي لا يتحقق أصل الايمان إلا به ، وحينئذ فيكون الاسلام والايمان الحقيقيان متحدين أيضا عنده ، ويؤيد ذلك ما ذكره بعضهم من أن الاستدلال بآية الاخلاص إنما يتم باضمار لفظ المذكر ، ونحوه ، فان الاشارة في قوله تعالى : « وذلك دين القيمة » يرجع إلى متعدد ، وهو العبادة مع الاخلاص في الدين ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، بل مع جميع الطاعات ، بناء على أنه اكتفى عن ذكرها بذكر الاعظم منها ، وأنها قد ذكرت إجمالا في قوله تعالى : « ليعبدوا » وذكر إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة لشدة الاعتناء بهما فكان حق الاشارة أن يكون « اولئك » ونحوه تطابقا بين الاشارة والمشار إليه ، ولما كانت الاشارة مفردة ارتكب المذكور ، وحيث لا بد من الاضمار فللخصم أن يضمر الاخلاص أو التدين المدلول عليهما بقوله « مخلصين له الدين » والترجيح لهذه ، لقربه من المعنى اللغوى للايمان ، وبعد ذلك فلم يكن في الاية دلالة على أن الطاعات هي الايمان ، فلم يتكرر الاوسط في قولنا عبادة الله تعالى مع الاخلاص وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كالدين