والدين هو الاسلام ، والاسلام هو الايمان ، لقوله تعالى « ومن يبتغ » الاية فالطاعات هي الاسلام والايمان ، لانه يقال : لا نسلم أن المراد من الدين في المقدمة الاولى ما يراد في المقدمة الثانية.
وقد ظهر من هذا تزييف الاستدلال بهذه الايات على كون الطاعات معتبرة في حقيقة الايمان ، لانه لم يناف ما نحن فيه من اتحاد الاسلام والايمان ، لكن لا يخفى أنه مناف لما قد بيناه من أن البحث كله على تقدير تسليم دلالة هذه الايات وما ذكر من التأويل مناف للتسليم المذكور ، ويمكن الجواب عنه فتأمل.
وههنا بحيث يصلح لتزييف الاستدلال بهذه الايات على المطلبين : مطلب كون الطاعات معتبرة في حقيقة الايمان ، ومطلب اتحادهما في الحقيقة فنقول : لو سلمنا أن المراد من الدين في الايات الثلاث واحد وأن الطاعات معتبرة في أصل حقيقة الاسلام ، فلا يلزم أن تكون معتبرة في أصل حقيقة الايمان ، ولا أن يكون الاسلام والايمان متحدين حقيقة ، وذلك لان الاية الكريمة إنما دلت على أن من ابتغى أي طلب غير دين الاسلام دينا له فلن يقبل منه ذلك المطلوب ، ولم تدل على أن من صدق بما أوجبه الشارع عليه ، لكنه ترك بعض الطاعات غير مستحل أنه طالب لغير دين الاسلام ، إذ ترك الفعل يجتمع مع طلبه ، لعدم المنافاة بينهما ، فان الشخص قد يكون طالبا للطاعة مريدا لها ، لكنه تركها إهمالا وتقصيرا ولا يخرج بذلك عن ابتغائها ، وقد تقدم هذا الاعتراض في المقالة الاولى على دليل القائلين بالاتحاد.
إن قلت : على تقدير تسليم اتحاد معنى الدين في الايات فما يصنع من اكتفى في الايمان بالتصديق ، فيما إذا صدق شخص بجميع ما أمره الله تعالى به ولو إجمالا لكنه لم يفعل بعد شيئا من الطاعات لعدم وجوبها عليه ، كما لو توقفت على سبب أو شرط ولم يحصل أووجد مانع من ذلك فانه يسمى مؤمنا ولا يسمى مسلما لعدم الاتيان بالطاعات التي هي معتبرة في حقيقة الاسلام ، وكذا الحكم على من وجبت عليه وتركها تقصيرا غير مستحل مع كونه مصدقا بجميع ما امر به ومريدا للطاعات