أنزل الله في سورة النساء مرتين « أن الله لايغفر إن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء » وهي تدل على عدم ترتب العذاب على غير الشرك ، فيمكن كونها ناسخة للايات الدالة على عقوبات أصحاب الكبائر ، وعدم كونهم من المؤمنين.
فأجاب عليهالسلام بعد التنزل عن عدم المخالفة بين هذه الاية ، وتلك الايات لان تجويز المغفرة لمن شاء الله لاينافي استحقاقهم للعذاب والعقاب ، وخروجهم عن الايمان بأحد معانيه ، بأن أكثر ما أوردنا من الايات واستدللنا بها إنما هي في سورة النور ، وهي نزلت بعد سورة النساء ، فكيف تكون آية النساء ناسخة لها فلو احتاج التوفيق إلى القول بالنسخ لكان الامر بعكس ماقلتم ، مع أنه لاقائل بالفصل ثم استدل عليهالسلام على ذلك بأن الله تعالى قال في سورة النساء : « أو يجعل الله لهن سبيلا » والسبيل هو الذي ذكره من الحد في سورة النور ويحتمل أن يكون الغرض إفادة دليل آخر على ماسبق من نزول الاحكام مدرجا ونسخ الاشد للاضعف ، لكن الاول أظهر.
« واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم » (١) ذهب الاكثر إلى أن المراد بالفاحشة الزنا ، وقيل : هي المساحقة « فاستشهدوا عليهن أربعة منكم » الخطاب للائمة والحكام ، بطلب أربعة رجال من المسلمين شهودا عليهن ، وقيل : الخطاب للازواج « فان شهدوا » أي الاربعة « فأمسكوهن » أي فاحبسوهن « في البيوت حتى يتوفيهن » أي يدركهن الموت ، قيل اريد به صيانتهن عن مثل فعلهن ، والاكثر على أنه على وجد الحد على الزنا.
قالوا : كان في بدو الاسلام إن فجرت المرءة وقام عليها أربعة شهود حبست في البيت أبدا حتى تموت ، ثم نسخ ذلك بالرجم في المحصنين ، والجلد في البكرين « أو يجعل الله لهن سبيلا » أي ببيان الحكم كما مر ، وقيل : بالتوبة أو بالنكاح المغني عن السفاح ، وقالوا : لما نزل قوله تعالى « الزانية والزاني فاجلدوا »
____________________
(١) النساء : ١٥.