و « جعله » أي الرامي « المحصنات » أي العفائف « الغافلات » مما قذفن به « المؤمنات » بالله ورسوله وما جاء به « لعنوا في الدنيا والاخرة » بما طعنوا فيهن « ولهم عذاب عظيم » لعظم ذنوبهم « يوم تشهد عليهم » ظرف لما في « لهم » من معنى الاستقرار لاللعذاب « ألسنتهم وأيديهم » يعترفون بها بانطاق الله إياها بغير اختيارهم أو بظهور آثاره عليها ، قوله عليهالسلام « وليست تشهد » يدل على أن شهادة الجوارح إنما هي للكفار كما ذكره جماعة من المفسرين ، وذكره الشيخ البهائي رحمه الله في الاربعين.
قوله عليهالسلام « فيعطى كتابه بيمينه » أي فيقرؤه ومن تنطق جوارحه يختم على فيه لقوله تعالى « اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم » (١) أولان سياق آيات شهادة الجوارح تدل على غاية الغضب ، والايات النازلة في المؤمنين مشتملة على نهاية اللطف كقوله سبحانه « يوم ندعو كل اناس بامامهم فمن اوتي » أي من المدعوين « كتابه بيمينه » أي كتاب عمله « فاولئك يقرؤن كتابهم » ابتهاجا بمايرون فيه « ولايظلمون فتيلا » (٢) أي ولا ينقصون من اجورهم أدنى شئ ، والفتيل المفتول وسمي ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئته ، وقيل : هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أووسخ ، ويضرب به المثل في الشئ الحقير.
ثم اعلم أن هذا المضمون وقع في مواضع من القرآن المجيد : أولها في بني إسرائيل « فمن اوتي كتابه بيمينه » إلى آخر ما في الحديث ، وثانيها في الحاقة « فأما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه » (٣) وثالثها في الانشقاق « فأما من اوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا » (٤) وما في الحديث لايوافق شيئا منها وإن كان بالاول أنسب ، فكأنه من تصحيف النساخ أو كان في قرائتهم عليهمالسلام هكذا ، أو نقل بالمعنى جمعا بين الايات.
« وسورة النور انزلت » كأن هذا جواب عن اعتراض مقدر ، وهو أنه لما
____________________
(١) يس : ٦٥. (٢) أسرى : ٧١.
(٣) الحاقة ١٩. (٤) الانشقاق : ٨.