وإن كان الثالث فهو إما أن يكون عبارة عن أفعال القلوب مع جميع أفعال الجوارح من الطاعات ، وهو قول المحدثين وجمع من السلف كابن مجاهد وغيره فانهم قالوا إن الايمان تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالاركان ، أو يكون عبارة عن التصديق مع كلمتي الشهادة ، ونسب إلى طائفة منهم أبوحنيفة ، أو يكون عبارة عن التصديق بالقلب مع الاقرار باللسان وهو مذهب المحقق نصير الدين الطوسى رحمهالله في تجريده فهذه سبعة مذاهب ذكرت في الشرح الجديد للتجريد وغيره.
واعلم أن مفهوم الايمان على المذهب الاول يكون تخصيصا للمعنى اللغوي وأما على المذاهب الباقية فهو منقول ، والتخصيص خير من النقل ، وهنا بحث وهو أن القائلين بأن الايمان عبارة عن فعل الطاعات كقدماء المعتزلة والعلاف والخوارج لاريب أنهم يوجبون اعتقاد مسائل الاصول وحينئذ فما الفرق بينهم وبين القائلين بأنه عبارة عن أفعال القلوب والجوارح ويمكن الجواب بأن اعتقاد المعارف شرط عند الاولين وشطر عند الاخرين.
ثم قال : اعلم أن المحقق الطوسي رحمهالله ذكر في قواعد العقائد أن اصول الايمان عند الشيعة ثلاثة ثم ذكرما نقلنا عنه سابقا ، ثم قال ذكر في الشرح الجديد للتجريد أن الايمان في الشرع عند الاشاعرة هو التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة فتفصيلا فيما علم تفصيلا ، وإجمالا فيما علم إجمالا ، فهو في الشرع تصديق خاص انتهى فهؤلاء اتفقوا على أن حقيقة الايمان هي التصديق فقط ، وإن اختلفوا في مقدار المصدق به ، والكلام هيهنا في مقامين : الاول في أن التصديق الذي هو الايمان المراد به اليقيني الجازم الثابت ، كما يظهر من كلام من حكينا عنه ، والثاني في أن الاعمال ليست جزءا من حقيقة الايمان الحقيقى ، بل هي جزؤ من الايمان الكمالي.
أما الدليل على الاول فآيات بينات منها قوله تعالى « إن الظن لايغني من الحق شيئا » (١) والايمان حق بالنص والاجماع ، فلا يكفي في حصوله وتحققه
____________________
(١) النجم : ٢٨.