ولانه أقرب إلى الوقوع على الصواب ، وأما الجواب عن العلاوة فلانه لما كان الطريق إلى العمل بالفروع إنما هو النقل ، ساغ لنا التقليد فيها ، ولم يقدح احتمال كذب المخبر ، وإلا لانسد باب العلم والعمل بها ، بخلاف الاعتقاديات فان الطريق إليها بالنظر ميسر.
ثم قال رحمهالله بعد إطالة الكلام في الجواب عن حجة الخصام : وأما المقام الثاني وهو أن الاعمال ليست جزءا من الايمان ولانفسه ، فالدليل عليه من الكتاب العزيز والسنة المطهرة والاجماع ، أما الكتاب فمن قوله تعالى « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات » (١) فان العطف يقتضي المغايرة ، وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه ، فلو كان عمل الصالحات جزءا من الايمان أو نفسه ، لزم خلو العطف عن الفائدة ، لكونه تكرارا ، ورد بأن الصالحات جمع معرف يشمل الفرض والنفل ، والقائل بكون الطاعات جزءا من الايمان يريد بها فعل الواجبات واجتناب المحرمات وحينئذ فيصح العطف لحصول المغايرة المفيد لعموم المعطوف ، فلم يدخل كله في المعطوف عليه نعم يصلح دليلا على إبطال مذهب القائلين بكون المندوب داخلا في حقيقة الايمان كالخوارج.
ومنه قوله تعالى « ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن » (٢) أي حالة إيمانه وهذا يقتضي المغايرة ، ومنه قوله تعالى « وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا » (٣) فانه أثبت الايمان لمن ارتكب بعض المعاصي ، فلا يكون ترك المنهيات جزءا من الايمان ، ومنه قوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين » (٤) فان أمرهم بالتقوى الذي لاتحصل إلا بفعل الطاعات ، والانزجار عن المنهيات مع وصفهم بالايمان يدل على عدم حصول التقوى لهم ، وإلا لكان أمرا بتحصيل
____________________
(١) ترى نصه في آيات كثيرة منها : البقرة : ٢٧٧.
(٢) طه : ١١٢.
(٣) الحجرات : ٩.
(٤) براءة : ١١٩.