فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ، ثم قال : قال الله تعالى « تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس » (١) ثم قال في جماعتهم : « وأيدهم بروح منه » يقول أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم ، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.
ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم ، جعل الله فيهم أربعة أرواح : روح الايمان ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، وروح البدن ، فلا يزال العبد يستكمل هذه الارواح الاربعة حتى يأتي عليه حالات.
فقال الرجل : يا أميرالمؤمنين ما هذه الحالات؟ فقال : أما أولهن فهو كما قال الله عزوجل « ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا » (٢) فهذا ينتقص منه جميع الارواح ، وليس بالذي يخرج من دين الله ، لان الفاعل به رده إلى أرذل العمر ، فهو لايعرف للصلاة وقتا ، ولايستطيع التهجد بالليل ولابالنهار ، ولا القيام في الصف مع الناس ، فهذا نقصان من روح الايمان ، وليس يضره شيئا ، ومنهم من ينتقص منه روح القوة ولايستطيع جهاد عدوه ، ولايستطيع طلب المعيشة ، ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها ، ولم يقم ، وتبقى روح البدن فيه ، فهو يدب ويدرج ، حتى يأتيه ملك الموت فهذا بحال خير لان الله عزوجل هو الفاعل به ، وقد يأتي عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فيشجعه روح القوة ، ويزين له روح الشهوة ، وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة فاذالامسها نقص من الايمان وتفصى منه ، فليس يعود فيه حتى يتوب ، فاذا تاب تاب الله عليه ، وإن عاد أدخله الله نار جهنم.
فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول الله عزوجل « الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم » (٣) يعرفون محمدا والولاية في التوراة والانجيل
____________________
(١) البقرة : ٢٥٣.
(٢) النحل : ٧٠.
(٣) البقرة : ١٤٦.