جبل بعض المؤمنين على الايمان فلا يرتدون أبدا ، ومنهم من يعير الايمان عارية فاذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الايمان (١).
بيان : في القاموس جبلهم الله يجبل ويجبل خلقهم وعلى الشئ طبعه وجبره كأجبله (٢) « فاذا هودعا » فيه حث على الدعاء لحسن العاقبة ، وعدم الزيغ ، كما كان دأب الصالحين قبلنا ، وفيه دلالة أيضا على أن الاتمام والسل مسببان عن فعل الانسان لانه يصير بذلك مستحقا للتوفيق والخذلان.
وجملة القول في ذلك أن كل واحد من الايمان والكفر قد يكون ثابتا ، وقد يكون متزلزلا يزول بحدوث ضده ، لان القلب إذا اشتد ضياؤه وكمل صفاؤه استقر الايمان وكل ما هو حق فيه ، وإذا اشتدت ظلمته وكملت كدورته استقر الكفر وكل ماهو باطل فيه ، وإذا كان بين ذلك باختلاط الضياء والظلمة فيه ، كان مترددا بين الاقبال والادبار ، ومذبذبا بين الايمان والكفر ، فان غلب الاول دخل الايمان فيه من غير استقرار ، وإن غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك ، وربما يصير الغالب مغلوبا فيعود من الايمان إلى الكفر ومن الكفر إلى الايمان ، فلابد للعبد من مراعاة قلبه ، فان رآه مقبلا إلى الله عزوجل شكره ، وبذل جهده ، وطلب منه الزيادة لئلا يستدبر وينقلب و يزيغ عن الحق كما ذكر سبحانه عن قوم صالحين « ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذهديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب » (٣) وإن رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب واستدرك مافرط فيه ، وتوكل على الله ، وتوسل إليه بالدعاء والتضرع لتدركه العناية الربانية ، فتخرجه من الظلمات إلى النور ، وإن لم يفعل ربما سلط عليه عدوه الشيطان ، واستحق من ربه الخذلان ، فيموت مسلوب الايمان كما قال سبحانه « فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم » (٤) أعاذنا الله من ذلك وسائر أهل الايمان.
____________________
(١) الكافى ج ٢ ص ٤١٩.
(٢) القاموس ج ٣ ص ٣٤٥.
(٣) آل عمران : ٨.
(٤) الصف : ٥.