أرض موسى بن عمران وضعا رفيقا.
قال : فلما بلغ موسى بلاده قال : يارب بما بلغت هذا ما أرى؟ قال : إن عبدي هذا يصبر على بلائي ، ويرضى بقضائي ، ويشكر نعمائي.
٣٩ ـ نهج من كلام له عليهالسلام عند تلاوته : « رجال لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكرالله » (١) قال : إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب ، تسمع به بعد الوقرة ، وتبصر به بعد العشوة ، وتنقاد به بعد المعاندة ، وما برح لله عزت آلاؤه في البرهة بعد البرهة ، وفي أزمان الفترات ، عباد ناجاهم في فكرهم ، وكلمهم في ذات عقولهم ، فاستصبحوا بنور يقظة في الاسماع والابصار والافئدة ، يذكرون بأيام الله ، ويخوفون مقامه ، بمنزلة الادلة في الفلوات ، من أخذ القصد حمدوا إليه طريقة ، وبشروه بالنجاة ومن أخذ يمينا وشمالا ذموا إليه الطريق وحذروه من الهلكة.
وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات وأدلة تلك الشبهات وإن للذكر لاهلا أخذوه من الدنيا بدلا ، فلم تشغلهم تجارة ولابيع عنه ، يقطعون به أيام الحياة ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين ، ويأمرون بالقسط ، ويأتمرون به ، وينهون عن المنكر ، ويتناهون عنه ، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الاخرة وهم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه ، وحققت القيامة عليهم عداتها ، فكشفوا غطاء ذلك لاهل الدنيا حتى كأنهم يرون ما لايرى الناس ، ويسمعون مالايسمعون.
فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة ، ومجالسهم المشهودة ، وقد نشروا دواوين أعمالهم ، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم على كل صغيرة وكبيرة ، امروا بها فقصروا عنها ، ونهوا عنها ففرطوا فيها ، وحملوا ثقل أوزارهم ظهورهم ، فضعفوا عن الاستقلال بها ، فنشجوا نشيجا وتجاوبوا نحيبا يعجون إلى ربهم من مقام ندم واعتراف ، لرأيت أعلام هدى ، ومصابيح دجى ، قد حفت بهم الملائكة
____________________
(١) النور : ٣٧.