والاية الاولى من سورة النحل « من كفر بالله من بعد إيمانه » (١) قيل بدل من الذين لايؤمنون ، وما بينهما اعتراض ، أو من اولئك أومن الكاذبون ، أو مبتدأ خبره محذوف دل عليه قوله « فعليهم غضب » ويجوز أن ينتصب بالذم وأن تكون من شرطية محذوفة الجواب « إلا من اكره » على الافتراء أو كلمة الكفر ، استثناء متصل لان الكفر لغة يعم القول والعقد كالايمان كذا ذكره البيضاوي (٢) والظاهر أنه منقطع « وقلبه مطمئن بالايمان » لم يتغير عقيدته « ولكن من شرح بالكفر صدرا » أي اعتقده وطاب به نفسا « فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم » وقد ورد في أخبار كثيرة من طرق الخاصة والعامة أنها نزلت في عمار بن ياسر حيث أكرهه وأبويه ياسرا وسمية كفار مكة على الارتداد ، فأبى أبواه فقتلوهما ، وهما أول قتيلين في الاسلام وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها ، فقيل : يا رسول الله إن عمارا كفر ، فقال : كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الايمان بلجمه ودمه ، فأتى عمار رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يبكي فجعل النبي صلىاللهعليهوآله يمسح عينيه ، وقال : مالك إن عادوالك فعدلهم بما قلت ، وعن الصادق عليهالسلام : فأنزل الله فيه « إلا من اكره » الاية فقال له النبي صلىاللهعليهوآله عندها : يا عمار إن عادوا فعد ، فقد أنزل الله عذرك ، وأمرك أن تعود إن عادوا ، وبالجملة الاية تدل على أن بعض أجزاء الايمان متعلق بالقلب ، وإن استدل القوم بها على أن الايمان ليس إلا التصديق القلبي والاية الثانية « الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله » (٣) قيل أي انسابه واعتمادا عليه ، ورجاء منه ، أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته ، أو بذكر دلائله الدالة على وجوده ووحدانيته أو بكلامه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات « ألا بذكرالله تطمئن القلوب » أي تسكن إليه ، وقال في المجمع : معناه الذين اعترفوا بتوحيد الله على جميع صفاته وبنبوة نبيه وقبول ماجاء به من عندالله ، وتسكن قلوبهم بذكرالله ، وتأنس إليه ، والذكر حضور المعنى للنفس ، وقد يسمى العلم ذكرا ، والقول الذي فيه المعنى الحاضر للنفس أيضا
____________________
(١) النحل : ١٠٦. (٢) أنوار التنزيل : ٢٣٣. (٣) الرعد : ٢٨.