قدره الله للانسان لايحتاج في وصوله إلى حرص ، بل يأتيه بأدنى سعي أمر الله به ولا يرد هذا الرزق كراهة كاره لرزق نفسه لقلته أو للزهد أو كاره لرزق غيره حسدا ويؤكد الاول « ولو أن أحدكم » الخ.
وهذا يدل على أن الرزق مقدر من الله تعالى ويصل إلى العبد البتة وفيه مقامان :
الاول : أن الرزق هل يشمل الحرام أم لا؟ فالمشهور بين الامامية والمعتزلة الثاني ، وبين الاشاعرة الاول.
قال الرازي في تفسير قوله تعالى : « ومما رزقناهم ينفقون » (١) الرزق في كلام العرب الحظ ، وقال بعضهم : كل شئ يؤكل أو يستعمل ، وقال آخرون الرزق هو ما يملك ، وأما في عرف الشرع فقد اختلفوا فيه ، فقال أبوالحسن البصري الرزق هو تمكين الحيوان من الانتفاع بالشئ ، والحظر على غيره أن يمنعه من الانتفاع به ، فاذا قلنا رزقنا الله الاموال فمعنى ذلك أنه مكننا من الانتفاع بها والمعتزلة لما فسسروا الرزق بذلك لا جرم قالوا : الحرام لايكون رزقا ، وقال أصحابنا : قد يكون رزقا.
حجة الاصحاب من وجهين الاول : أن الرزق في أصل اللغة هو الحظ والنصيب على مابيناه ، فمن انتفع بالحرام فذلك الحرام صار حظا ونصيبا له فوجب أن يكون رزقا له ، الثاني أنه تعالى قال : « وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها » (٢) وقد يعيش الرجل طول عمره لايأكل إلا من السرقة ، فوجب أن يقال : إنه طول عمره لم يأكل من رزقه شيئا.
وأما المعتزلة فقد احتجوا بالكتاب والسنة والمعنى ، أما الكتاب فوجوه أحدها قوله تعالى : « ومما رزقناهم ينفقون » مدحهم على الانفاق مما رزقهم الله تعالى فلو كان الحرام رزقا لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام ، وذلك
____________________
(١) البقرة : ٣.
(٢) هود : ٦.