من شئ إلا قبلته ، فبادر بالادب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك ، وتستقبل بجد رأيك من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته (١) فتكون قد كفيت مؤونة الطلب ، وعوفيت من علاج التجربة ، فأتاك من ذلك ما كنا نأتيه ، واستبان لك منها ما ربما أظلم علينا فيه (٢).
يا بني إني وإن لم أكن قد عمرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمارهم ، و فكرت في أخبارهم ، وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم ، بل كأني بما انتهى إلي من امور هم قد عمرت مع أولهم إلى آخر هم ، فعرفت صفوذلك من كدره ، ونفعه من ضرره ، واستحلصت لك من كل أمر نخيله ، وتوخيت لك جميله (٣) وصرفت عنك مجهوله ، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق ، وأجمعت عليه (٤) من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر مقبل الدهر ، ذونية سليمة ، ونفس صافية ، و أن ابتدأك بتعليم كتاب الله عزوجل وتأويله وشرايع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه لا اجاوز بك ذلك إلى غيره ، ثم أشفقت أن يلتبس ما اختلف الناس فيه من أهوائهم و آرائهم مثل الذي التبس عليهم وكان إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلى من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة (٥) ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك
____________________
وما ينبغى له ، فيكون حينئذ كالصعب النفور من الابل ، ووجه التشبيه أنه يعسر حمله على الحق وجذبه اليه كما يعسر قود الجمل الصعب النفور وتصريفه بحسب المنفعة. « ابن ميثم » (١) وذلك ليكون جد رأيك أى محققه وثابته مستعدا لقبول الحقايق التى وقف عليها أل التجارب وكفوك طلبها. والبغية ـ بالكسر ـ : الطلب.
(٢) استبان أى ظهر ووضح وذلك لان العقل حفظ التجارب واذا ضم رأيه إلى آرائهم ربما يظهر له ما لم يكن ظهر لهم.
(٣) النخيل : المختار المصفى وفى بعض النسخ « جليله ». وتو خيت أى تحريت.
(٤) أجمعت أى عزمت ، وهو عطف على « يعنى » و « أن يكون » في محل النصب على أنه مفعول أول لرأيت ويكون هنا تامة. والواو في قوله « وأنت » للحال.
(٥) أى أنك وأن كنت تكره أن ينبهك احد لما ذكرت لك فانى اعد اتقان التنبيه على كراهتك له أحب إلى من اسلامك أى القائك إلى أمر تخشى عليك فيه الهلكة.