من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك منه ما ربما أظلم علينا فيه.
أى بني وإنى وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم وفكرت في أخبارهم وسرت في آثار هم حتى عدت كأحدهم بل كأني بما انتهى إلى من امور هم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضره ، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله ، وصرفت عنك مجهوله ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل بين ذي النقية والنية وأن أبدأك بتعليم كتاب الله (١) وتأويله وشرائع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه ، لا اجاوز ذلك بك إلى غيره ثم أشفقت أن يلبسك ما اختلف الناس فيه أهواؤهم مثل الذي لبسهم (٢) وكان إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة ، ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك وأن يهديك لقصدك فعهدت إليك وصيتي هذه. واعلم مع ذلك (٣) :
أي بني أن أحب ما أنت آخذ به إلي من وصيتي تقوى الله والاقتصار على ما افترض عليك والاخذ بما مضى عليه الاولون من آبائك والصالحون من أهل ملتك فانهم لم يدعوا أن [ ي ] نظروا لانفسهم كما أنت ناظر وفكروا كما أنت مفكر ثم رد هم آخر ذلك إلى الاخذ بما عرفوا والامساك عمالم يكلفوا ، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم [ كما ] كانوا علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم لابتورط الشبهات وعلو الخصومات ، وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك عليه والرغبة
____________________
(١) في النهج « وأنت مقبل العمر ، مقتبل الدهر ، ذونية سليمة ونفس صافية وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله ». وفى بعض نسخ الكتاب « ذى الفئة ».
(٢) في النهج « أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذى التبس عليهم ».
(٣) في المصدر وأحكم مع ذلك.