فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه ، فألحح (١) ولا يقنطك إن أبطأت عنك الاجابة فإن العطية على قدر المسألة ، وربما اخرت عنك الاجابة ليكون أطول للمسألة وأجزل للعطية ، وربما ، سألت الشئ فلم تؤته وأوتيت خيرا منه عاجلا وآجلا ، أو صرف عنك لما هو خير لك فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو اوتيته ، ولتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله [ أ ] وينفى عنك وباله والمال لا يبقى لك ولا تبقى له ، فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أوسيئا أو يعفو العفو الكريم.
واعلم أنك خلقت للاخرة لا للدنيا وللفناء لا لبقاء وللموت لا للحياة وأنك في منزل قلعة ودار بلغة ، وطريق إلى الاخرة ، أنك طريد الموت الذي لا ينجو [ منه ] هاربه ولابد أنه يدر كك يوما ، فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة ، فتحول بينك وبين ذلك ، فإذا أنت قد أهلكت نفسك.
أي بني أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه ، واجعله أمامك حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك (٢) ولا يأخذك على غرتك وأكثر ذكر الاخرة وما فيها من النعيم والعذاب الاليم فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك ، وقد نبأك الله عنها ونعتت لك نفسها (٣) وكشفت عن مساويها ، فإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها ، وتكالبهم عليها (٤) وإنما أهلها كلاب عاوية
____________________
(٨) يقال : ألح في السؤال : ألحف فيه وأقبل عليه مواظبا.
(٢) الحذر ـ بالكسر ـ : الاحتراز والاحتراس. والغرة ـ بالكسر فالتشديد ـ ، الغفلة.
(٣) النعى : الاخبار بالموت والمراد أن الدنيا تخبر بحالها من التغير والتحول عن فنائها.
(٤) التكالب ، التواثب وتكالبهم عليها أى شدة حرصهم عليها.