وسباع ضارية ، يهر بعضها على بعض (١) ، يأكل عزيزها ذليلها وكبيرها صغيرها قد أضلت أهلها عن قصد السبيل ، وسلكت بهم طريق العمى (٢) وأخذت بأبصارهم عن منهج الصواب ، فتاهوا في حيرتها (٣) وغرقوا في فتنتها ، واتخذواها ربا ، فلعبت بهم ، ولعبوا بها ونسوا ماوراءها.
فإياك يا بني أن تكون قد شانته كثرة عيوبها (٤) نعم معقلة واخرى مهملة قد أضلت عقولها ، وركبت مجهولها ، سروح عاهة بواد وعث ، ليس لها راع يقيمها. رويدا حتى يسفر الظلام ، كأن قد وردت الظعينة (٥) يوشك من أسرع أن يؤوب.
واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار ، فإنه يساربه وإن كان لايسير (٦) أبى الله إلا خزاب الدنيا وعمارة الاخرة.
أي بني فإن تزهد فيما زهدك الله فيه من الدنيا وتعزف نفسك عنها ، فهي أهل ذلك ، وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك وأنك في سبيل من كان قبلك ، فاخفض في الطلب (٧) وأجمل في
____________________
(١) الضارية : المولعة بالافتراس. يهر أى يكره أن ينظر بعضها بعضا ويمقت.
(٢) العمى والعماءة : الغواية.
(٣) فتاهوا أى ضلوا الطريق. والحيرة : التحير والتردد.
(٤) الشين : ضد الزين. أى اياك أن تكون الذى شانته كثرة عيوب الدنيا. وعقل البعير بالتشديد شد وظيفه إلى ذراعه. والنعم ـ محركة ـ : الابل أى أهلها على قسمين قسم كابل منعها عن الشر عقالها وهم الضعفاء واخرى مهملة تأتى من السوء ما تشاء وهم الاقوياء.
(٥) الظعينة : الهودج. عبربه عليهالسلام عن المسافرين في طريق الدنيا إلى الاخرة كإن حالهم أن وردوا على غاية سيرهم. وقوله : « يؤوب » أى يرجع.
(٦) وفى بعض النسخ « وان كان واقعا لا يسير ».
(٧) فاخفض أى وارفق من الخفض بمعنى السهل. وأجمل فيما تكتسب أى اسع سعيا جميلا لا بحرص ولا بطمع.