جلائل الامور من ذوي الرأي والنصيحة والذهن ، أطواهم عنك لمكنون الاسرار كشحا ممن لا تبطره الكرامة ولا تمحق به الدالة (*) فيجترى بها عليك في خلاء أو يلتمس إظهارها في ملاء ، ولا تقصر به الغفلة (١) عن إيراد كتب الاطراف عليك ، و إصدار جواباتك على الصواب عنك ، وفيما يأخذ [ لك ] ويعطى منك ، ولا يضعف عقدا اعتقده لك ، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الامور ، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل.
وول ما دون ذلك من رسائلك وجماعات كتب خرجك ودواوين جنودك قوما تجتهد نفسك في اختيار هم ، فإنها رؤوس أمرك أجمعها لنفعك وأعمها لنفع رعيتك.
ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك (٢) وحسن الظن بهم ، فإن الرجال يعرفون فراساة الولاة بتضر عهم وخدمتهم (٣) وليس وراء ذلك من النصيحة والامانة [ شئ ]. ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فأعمد لاحسنهم كان في العامة أثرا وأعرفهم فيها بالنبل والامانة (٤) فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره ، ثم مرهم بحسن الولاية ولين الكلمة واجعل لرأس كل أمر من امورك رأسا منهم ، لا يقهره كبيرها (٥) ولا يتشتت عليه كثيرها ، ثم تفقد ما غاب عنك من حالاتهم وامور من يرد عليك رسله وذوي الحاجة وكيف ولا يتهم وقبولهم وليهم
____________________
المذكورة. وطوى الحديث : كتمه. وطوى كشحا عنه أى أعرض عنه وقاطعه. وبطر الرجل يبطر بطرا محركة اذا دهش وتحير في الحق. وبالامر ثقل به. وبطره النعمة : أدهشه (*) الدالة : الجرأة.
(١) أى ولا تكون غفلته موجبة لتقصيره في اطلاعك على ما يرد من أعمالك ولا في اصدار الاجوبة عنه على وجه الصواب.
(٢) الفراسة ـ بالكسر ـ : حسن النظر في الامور. والاستنامة. السكون والاستيناس أى لا يكون انتخاب الكتاب تابعا لميلك الخاص.
(٣) وفى النهج « بتصنعهم وحسن خدمتهم ».
(٤) النبل ـ بالضم ـ. الذكاء و : النجابة والفضل.
(٥) أى لا يقهره عظيم تلك الاعمال ولا يخرج عن ضبطه كثيرها.