أيها الناس إن المنية قبل الدنية. والتجلد قبل التبلد (١) والحساب قبل العقاب. والقبر خير من الفقر. وعمي البصر خير من كثير من النظر. والدهر يوم لك ويوم عليك (٢) فاصبر فبكليهما تمتحن.
أيها الناس أعجب ما في الانسان قلبه (٣). وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها. فإن سنح له الرجاء أذله الطمع (٤). وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص وإن ملكه اليأس قتله الاسف. وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ. وإن أسعد بالرضى نسي التحفظ (٥). وإن ناله الخوف شغله الحزن (٦). وإن اتسع بالامن استلبته الغرة وإن جددت له نعمة أخذته العزة (٧). وإن أفاد مالا أطغاه الغنى وإن عضته فاقة (٨) شغله البلاء. وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع. وإن أجهده الجوع قعد به الضعف. وإن أفرط في الشبع كظته البطنة (٩) ، فكل تقصيز به
____________________
(١) المنية : الموت. والدنية : الذلة يعنى أن الموت خير من الذلة ، فالمراد بالقبلية القبلية بالشرف. وفى النهج « المنية ولا الدنية والتعلل ولا التوسل » وهو أوضح. والتجلد : تكلف الشدة والقوة. والتبلد ضده.
(٢) زاد في الروضة « فاذا كان لك فلا تبطر واذا كان عليك ـ الخ » ولعله سقط من قلم النساخ.
(٣) في النهج « ولقد علق بنياط هذا الانسان بضعة هى أعجب ما فيه وذلك القلب ».
(٤) سنح له : بدا وظهر.
(٥) التحفظ : التوقى والتحرز من المضرات.
(٦) وفى الروضة والنهج « شغله الحذر ».
(٧) الغرة ـ بالكسر ـ : الاغترار والغفلة. واستلبته أى سلبته عن رشده ويمكن أن تكون « العزة » بالاهمال والزاى.
(٨) « أفاد مالا » أى أعطاه اياه. وعضته أى اشتد عليه الفاقة والفقر.
(٩) وفى الروضة والنهج « وان جهده الجوع قعدبه الضعف ». والكظة ـ بالكسر ـ : ما يعترى الانسان عند الامتلائه من الطعام ، يقال : كظ الطعام فلانا أى ملاءه حتى لا يطيق التنفس. والبطنة بالكسر : الامتلاء المفرط من الاكل.