تصحبه الاوقات ، ولا ترفده الادوات (١) سبق الاوقات كونه ، والعدم وجوده ، و الابتداء أزله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعرله ، وبمضادته بين الامور عرف أن لا ضدله ، وبمقارنته بين الاشياء عرف أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والوضوح بالبهمة ، والجمود بالبلل ، والحرور بالصرد ، مؤلف بين متعادياتها ، مقارن بين متبايناتها ، مقرب بين متباعداتها ، مفرق بين متدانياتها ، لا يشمل بحد ، ولا يحسب بعد ، وإنما تحد الادوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها ، منعتها « منذ » القدمة وحمتها « قد » الازلية (٢) وجنبتها « لولا » التكملة (٣) بها تجلى صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العيون (٤) لا يجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، ويعود فيه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه ، إذا لتفاوتت ذاته و لتجز أكنهه ، ولا امتنع من الازل معناه ، ولكان له وراء إذ وجدله أمام ، ولا التمس التمام إذا لزمه النقصان ، وإذا لقامت آية المصنوع فيه ، ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه ، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثرفيه ما يؤثر في غيره.
الذي لا يحول ولا يزول ولا يجوز عليه الافول ، لم يلد فيكون مولودا ، ولم يولد فيصير محدودا ، جل عن اتخاذ الابناء ، وطهر عن ملامسة النساء ، لا تناله الاوهام فتقدره ، ولا تتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدركه الحواس فتحسه ، ولا تلمسه الايدي فتمسه (٥) ولا يتغير بحال ، ولا يتبدل في الاحوال ، ولا تبليه الليالي و
____________________
(١) رفده أى أعانه.
(٢) حمى الشئ ـ كرضى ـ أى منعه.
(٣) « لولا » لا يستعمل الا في ناقص عن بعض الوجوه. كما أن قولك عند نظرك إلى المستحسنة من الاشياء والمتوقد من الاذهان : ما أحسنها لولا أن فيها كذا من قبول الفناء وتوقف ادراكها على شروط كثيرة يجنبها ويبعدها عن كونها كاملة.
(٤) أى بعقولنا حكمنا بامتناعه عن نظر عيوننا.
(٥) لمسه ـ كنصره ـ أى أفضى اليه بيده. ومسسته أى لمسته.