الايام (١) ولا يغيره الضياء والظلام (٢) ولا يوصف بشئ من الاجزاء ولا بالجوارح والاعضاء ، ولا بعرض من الاعراض ، ولا بالغيرية والابعاض ، ولا يقال له حد ولا نهاية ، ولا انقطاع ولا غاية ، ولا أن الاشياء تحويه فتقله أو تهويه (٣) أو أن شيئا يحمله فيميله أو يعدله ، وليس في الاشياء بوالج (٤) ولا عنها بخارج ، يخبر لا بلسان ولهوات ، ويسمع لا بخروق وأدوات (٥) يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفظ ويريد ولا يضمر ، يحب ويرضى من غير رقة ، ويبغض ويغضب من غير مشقة ، يقول لما أراد كونه كن فيكون ، لا بصوت يقرع ، ولا بنداء يسمع ، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا.
لا يقال كان بعد أن لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات ، ولا يكون بينها وبينه فصل ، ولاله عليها فضل ، فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدع والبديع.
خلق الخلايق على غير مثال خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه ، و أنشأ الارض فأمسكها من غير اشتغال (٦) وأرساها على غير قرار ، وأقامها بغير قوائم ورفعها بغير دعائم ، وحصنها من الاود والاعوحاج (٧) ومنعها من التهافت و الانفراج ، أرسى أوتادها ، وضرب أسدادها ، واستفاض عيونها (٨) وخد أوديتها
____________________
(١) لعل المعنى لو صدق اطلاق واحد من هذه الالفاظ عليه سبحانه لصدق البواقى ، و لا يصدق عليه شئ منها لا ستلزام الجميع الجسمية ، وليس الغرض الاستدلال على نفى بعضها ببعض. وقوله « لا يتغير بحال » أى بتغير الاوصاف كالشباب والشيب ، ولا يتبدل في الاحوال أى لا يصير ظالما في حال الغضب ، عادلا في غيره ، جوادا في حال بخيلا في غيره.
(٢) الظلام بالفتح ـ ذهاب النور.
(٣) أى لا يحويه جسم يرتفع بارتفاعه وينخفض بانخفاضه.
(٤) عدله ـ بالتخفيف والتشديد أى أقامه والوالج : الداخل.
(٥) اللهوات ـ بالفتح جمع لهاة تقدم معناها أنها اللحمة في سقف أقصى الفم.
(٦) أى لم يشغله امساكها عن غيره من الامور.
(٧) الاعو جاج عطف تفسير على الاود ـ وزان فرس ـ.
(٨) الاوتاد : جمع وتد. والاسداد : جمع سد ، والمراد بها الجبال. والخد ـ بتشديد الدال الشق.