ومنها :
قدر ما خلق فأحكم تقديره ، ودبره فألطفت تدبيره ، ووجهه لو جهته ، فلم يتعدد حدود منزلته ، ولم يقصردون الانتهاء إلى غايته ، ولم يستصعب إذا مر بالمضي على إرادته ، وكيف صدرت الامور عن مشيته ، المنشئ أصناف الاشياء بلاروية فكر آل إليها ، ولا قريحة غريزة أضمر عليها ، ولا تجربة أفادها من حوادث الدهور ، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الامور ، فتم خلقه ، وأذعن لطاعته ، وأجاب إلى دعوته ولم يعترض دونه ريث المبطئ ، ولا أناة المتلكئ (١) فأقام من الاشياء أودها ، و نهج حدودها ، ولاءم بقدرته بين متضادها ، ووصل أسباب قرائنها (٢) وفرقها أجناسا مختلفات في الحدود والاقدار ، والغرائز والهيئات ، بدايا خلائق أحكم صنعها ، وفطرها على ما أراد وابتدعها.
ومنها في صفة السماء :
ونظم بلا تعليق رهوات فرجيها ، ولاحم صدوع انفراجها ، ووشج بينها وبين أزواجها ، وذلل للها بطين بأمره والصاعدين بأعمال خلقه حزونة معراجها (٣) و ناداها بعد إذ هي دخان ، فالتحمت عرى أشراجها (٤) وفتق بعد الارتتاق صوامت
____________________
(١) الريث البطوء ، والاناة ـ كقناة ـ اسم من التأنى في الامرأى تمكث ولم يعجل والتلكؤ : التوقف والمعنى نفى الريث والاناة عن الاشياء في اجابة الدعوة والاذعان للطاعة.
(٢) القرائن النفوس المقرونة بالابدان واعتدال المزاج سبب بقاء الروح أى وصل أسباب أنفسها بتعديل أمزجتها.
(٣) الرهوات جمع الرهوة وهى المكان المرتفع والمنخفض ونظمها تصفيتها. قال ابن الاثير في النهاية في حديث على «ع» : ونظم رهوات فرجها أى المواضع المتفتحة منها وهو مأخوذ من قولهم رها رجليه رهوا أى فتح. ولا حم أى ألصق. والصدوع جمع صدع وهو الشق واضافة الصدوع إلى الانفراج من اضافة الخاص إلى العام. ووشج بينها أى شبك الهابطين والساعدين الارواح العلوية والسفلية. والحزونة : الصعوبة.
(٤) التهمت عرى اشراجها : الاشراج جمع شرج وهى مقبض الكوز ، والدلو. وتسمى مجرة السماء شرجا تشبيها بشرج العيبة ، واشراج الوادى ما أنفسح منه.