إذا تمخضت لجة المزن فيه والتمع برقه في كففه ، ولم ينم وميضه في كنهور رباله ومتراكم سحابه ، أرسله سحا متداركا قد أسف هيد به (١) تمريه الجنوب درر أهاضيبه ، ودفع شآبيبه ، فلما ألقت السحاب برك بوانيها وبعاع ما استقلت به من العبء المحمول عليها (٢) أخرج به من هوامد الارض النبات ، ومن زعر الجبال الاعشاب ، فهي تبهج بزينة رياضها ، وتزدهي بما البسته من ريط أزاهيرها وحلية ما سمطت به من ناضر أنوارها (٣) وجعل ذلك بلاغا للانام ، ورزقا للانعام وخرق الفجاج في آفاقها ، وأقام المنار للساكين على جواد طرقها.
____________________
القطعة من الغيم ، وتباين القزع تباعدها. وتمخضت أى تحركت. والمخض تحريك السقاء الذى فيه لبن ليخرج زبده. والضمير في « فيه » راجع إلى المزن أى تحركت فيه اللجة المستودعة فيه.
(١) الوميض : اللمعان. كهنور ـ كسفر جل ـ قطع عظيمة من السحاب كالجبال وقيل : المتراكم منه. والرباب ـ كسحاب ـ الابيض منه. « سحا » أى متواصلا متلا حقا والمتدارك من الدرك ـ محركة ـ وهو اللحاق. تدارك القوم اذ الحق آخرهم أولهم. وكففه : حاشيته وجوانبه. وهيدبه ما تهدب أى تدلى ، واسف الطائر دنا من الارض.
(٢) الاهاضيب : جمع أهضاب وهو جمع هضبة ـ كضربة ـ وهى المطرة. والشآبيب جمع شؤبوب : وهو ما ينزل من المطر دفعة بشدة وكانما ينصب من جانب لامن أعلى.
والبرك الصدر ، والبوانى قوائم الناقة والاضافة لادنى ملابسة ، وبناء الكلام على تشبيه السحاب بالناقة المحمول عليها. البعاع : ثقل السحاب من الماء وهو عطف على « برك ».
والعبء ـ بالكسر ـ : الحمل. والهوامد من الارض التى لانبات فيها.
(٣) الزعر محركة : فتلة الشعر من الرأس ، والازعر : الموضع الذى قل نباته والجمع زعر كأحمر وحمر. والبهج كالمنع السرور والفرح. وتزدهى أى تكبر وتعجب. الريط ـ كعنب جمع ريطة ـ بالفتح ـ قيل هى كل ثوب رقيق لين. وسمطت على صيغة المفعول أى علقت. وفى بعض نسخ المصدر بالشين المعجمة والشميط من النبات ما كان فيه لون الخضرة مختلطا بلون الزهر. والانوار : جمع نور بفتح النون وهو الزهر.