مطاياه إلى دار الثواب والعقاب والجزاء والحساب.
فرحم الله امرءا راقب ربه ، وتنكب ذنبه (١) وكابر هواه ، وكذب مناه ، امرء أزم نفسه من التقوى بزمام ، وألجمها من خشية ربها بلجام ، فقادها إلى الطاعة بزمامها ، وقدعها عن المعصية بلجامها (٢) رافعا إلى المعاد طرفه (٣) متوقعا في كل أوان حتفه (٤) دايم الفكر ، طويل السهر ، عزوفا عن الدنيا ، سأما كدوحا لا خرته متحافظا (٥) امرءا جعل الصبر مطية نجاته ، والتقوى عدة وفاته ، ودواء أجوائه فاعتبر وقاس ، وترك الدنيا والناس ، يتعلم للتفقة والسداد ، وقد وقر قلبه ذكر المعاد وطوى مهاده (٦) وهجر وساده ، منتصبا على أطرافه ، داخلا في أعطافه ، خاشعا لله عزوجل ، يراوح بين الوجه والكفين (٧) خشوع في السر لربه ، لدمعه صبيب ولقلبه وجيب (٨) شديدة أسباله ، ترتعد من خوف الله جل ذكره أوصاله (٩) قد عظمت
____________________
راجع إلى الدنيا بتأويل الدهرأ وبتشبيهها بالرجل الرامى أى ترمى اليكم المنايا في الدنيا سهاما فتهلككم والسهام الامراض والبلايا الموجبة للموت ويحتمل أن يكون فاعل تنتضل الضمير الراجع إلى الدنيا ويكون المرمى المنايا والاول أظهر (منه).
(١) تنكب أى تجنب. وكابر أى خالف وغالب. وفى بعض نسخ المصدر « كابد » أى قاساه وتحمل المشاق في فعله.
(٢) قدعه كمنعه ـ : كفه. وفى بعض نسخ المصدر « وقرعها ».
(٣) طرفه أى عينه.
(٤) الحتف : الموت.
(٥) عزفت عن كذا أى زهدت فيه وانصرفت عنه. ساما أى ملولا. والكدح : السعى والاهتمام.
(٦) الجوى : الحرقة من وجد اوحزن. و « طوى مهاده » أى على اقدامه.
(٧) أعطاف جمع عطاف وهو الرداء. « يراوح » أى يضع جبهته تارة للسجود ويرفع بدنه تارة في الدعاء ففى اعمال كل واحد منهما راحة للاخرى.
(٨) أى هو صاب كثير الصب لدمعه. ولقلبه وجيب أى اضطراب. واسبال جمع سبل ـ بالتحريك ـ المطر والدمع اذا هطل.
(٩) الاوصال : المفاصل.