أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، صلى الله عليه وآله.
أيها الناس إن الدنيا ليست لكم بدار ولا قرار ، إنما أنتم فيها كركب عرسوا فأناخوا (١) ثم استقلوا فغدوا وراحوا ، دخلوا خفافا وراحوا خفافا (٢) لم يجدوا عن مضي نزوعا (٣) ولا إلى ما تركوا رجوعا ، جد بهم فجدوا ، وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا حتى إذا اخذ بكظمهم وخلصوا إلي دار قوم جفت أقلا مهم (٤) لم يبق من أكثر هم خبر ولا أثر ، قل في الدنيا لبثهم ، وعجل إلى الآخرة بعثهم فأصبحتم حلولا في ديارهم ، ظاعنين على آثارهم ، والمطايا بكم تسير سيرا ، ما فيه أين ولا تفتير ، نهاركم بأنفسكم دؤوب ، وليلكم بأرواحكم ذهوب (٥) فأصبحتم تحكون من حالهم حالا ، وتحتذون من مسلكهم مثالا (٦) فلا تغرنكم الحياة الدنيا فانما أنتم فيها سفر حلول (٧) الموت بكم نزول ، تنتضل فيكم مناياه (٨) وتمضي بأخباركم
____________________
(١) الركب جمع راكب. والتعريس : نزول القوم في السفر في آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة. أنا خوا أى أقاموا. و « استقلوا » أى مضوا وارتحلوا.
(٢) أى دخلوا في الدنيا عند ولادتهم خفافا بلازاد ولا مال وراحوا عند الموت كذلك ويحتمل أن يكون كناية عن الاسراع.
(٣) نزع عن الشئ نزوعا : كف وقلع عنه أى لم يقدروا على الكف عن المضى والظرفان متعلقان بالنزوع والرجوع.
(٤) أى جفت اقلام الناس عن كتابة آثار هم لبعد عهد هم ومحو ذكر هم.
(٥) « حلولا » جمع حال. و « ظاعنين » أى سائرين. والاين : الاعياء « ولا تفتير » أى ليست تلك الحركة موجبة لفتور تلك المطايا فتسكن عن السير زمانا. و « نهاركم بانفسكم دؤوب » أى نهاركم يسرع ويجد ويتعب بسبب أنفسكم ليذهبها. ويحتمل أن يكون الباء للتعدية أى نهاركم يتعبكم في أعمالكم وحركاتكم وذلك سبب لفناء أجسادكم.
(٦) « تحكون » أى أحوالكم تحكى وتخبر عن أحوالهم. والاحتذاء : الاقتداء.
(٧) هما جمعان أى مسافرون حللتم بالدنيا. والنزول ـ بفتح النون أى نازل.
(٨) الانتضال : رمى السهام للسبق. والمنايا جمع المنية وهى الموت ولعل الضمير