في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي ، فإنه من استثقل الحق أن يقال له ، أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعدل ، فاني لست في نفسي بفوق أن اخطئ ولا آمن ذلك من فعلي (١) إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني ، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لارب غيره ، يملك منا ما لانملك من أنفسنا ، وأخرجنا مما كنا فيه (٢) إلى ما صلحنا عليه ، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى.
فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل فقال : أنت أهل ما قلت ، والله [ والله ] فوق ما قلته ، فبلاؤه عندنا ما لا يكفر (٣) وقد حملك الله تبارك وتعالى رعايتنا ، وولاك سياسة امورنا ، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به ، وإمامنا الذي نقتدي به ، وأمرك كله رشد ، وقولك كله أدب ، قد قرت بك في الحياة أعيننا ، وامتلات من سرور بك قلوبنا. وتحيرت من صفته ما فيك من بارع الفضل (٤) عقولنا. ولسنا نقول لك
____________________
(١) هذا من قبيل هضم النفس ، ليس بنفى العصمة مع أن الاستثناء يكفينا مؤونة ذلك وقال المؤلف رحمهالله : هذا من الانقطاع إلى الله والتواضع الباعث لهم على الانبساط معه بقول الحق وعد نفسه من المقصرين في مقام العبودية والاقرار بأن عصمته من نعمه تعالى عليه.
(٢) أى من الجهالة عدم العلم والمعرفة والكمالات التى يسرها الله تعالى لنا ببعثه الرسول صلىاللهعليهوآله ، قال ابن أبى الحديد : ليس هذا اشارة إلى خاص نفسه عليهالسلام لانه لم يكن كافرا فاسلم ولكنه كلام يقوله ويشيربه إلى القوم الذين يخاطبهم في أفياء الناس فيأتى بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسعا.
(٣) أى نعمته عندنا وافرة بحيث لا نستطيع كفرها وسترها ، أولا يجوز كفرانها وترك شكرها.
(٤) برع في الشئ فاق أقرانه فيه.