كنت احب أن يقال ذلك لتر كته انحطاطا لله سبحانه (١) عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء ، وربما استحلى الناس (٢) الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لاخراجى نفسي إلى الله وإليكم (٣) من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها و فرائض لابد من إمضائها ، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة. ولا تتخفظو امني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ، ولا تخالطوني بالمصانعة (٤) ولا تظنوا لي استثقالا
____________________
(١) أى تواضعا له تعالى وفى بعض نسخ المصدر القديمة « ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتناهيت له أغنانا الله واياكم عن تناول ما هو أحق به من التعاظم وحسن الثناء » والتناهى : قبول النهى والضمير في « له » راجع إلى الله تعالى. وفى النهج كما في النسخ المشهورة.
(٢) يقال : استحلاه أى وجده حلوا قال ابن ميثم رحمهالله : هذا يجرى مجرى تمهيد العذر لمن أثنى عليه فكأنه يقول : وأنت معذور في ذلك حيث رأيتنى اجاهد في الله و أحث الناس على ذلك ومن عادة الناس أن يستهل الثناء عند أن يبلو بلاءا حسنا في جهاد أو غيره من سائر الطاعات ثم أجاب عن هذا العذر في نفسه بقوله : « ولا تثنوا على بجميل ثناء » أى لا تثنوا على لا جل ما ترونه منى من طاعة الله فان ذلك انما هو اخراج لنفسى إلى الله من حقوقه الباقية على لم افرغ بعد أدائها وهى حقوق نعمه وفرائضه التى لا بد من المضى فيها وكذلك اليكم من الحقوق التى أو جبها الله على من النصيحة في الدين والارشاد إلى الطريق الافضل والتعليم لكيفية سلوكه.
(٣) أى لا عترافى بين يدى الله وبمحضر منكم ، ان على حقوقا في ايالتكم ورئاستى عليكم لم اقم بها بعد وأرجو من الله القيام بها. وفى بعض نسخ المصدر « من التقية » يعنى من أن يتقونى في مطالبة حقوق لكم افرغ من ادائها وعلى هذا يكون المراد بمستحلى الثناء الذين يثنيهم الناس اتقاء شرهم وخوفا من بأسهم.
(٤) أهل البادرة الملوك والسلاطين. والبادرة : الحدة والكلام الذى يسبق من الانسان في الغضب أى لا تثنوا على كما يثنى على أهل الحدة من الملوك خوفا من سطوتهم أولا تحتشموا منى كما يحتشم من السلاطين والامراء كترك المسارة والحديث اجلالا وخوفا منهم وترك مشاورتهم ، أو اعلامهم ببعض الامور والقيام بين أيديهم. والمصانعة : الرشوة والمداراة.