ذلك اليوم ولا بعده.
فقام وأحسن الثناء على الله عزوجل بما أبلاهم وأعطاهم من واجب حقه عليهم والاقرار (١) بكل ما ذكر من تصرف الحالات به وبهم ، ثم قال : أنت أميرنا ، ونحن رعيتك بك أخرجنا الله عزوجل من الذل ، وبإ عزازك أطلق عباده من الغل (٢) ، فاختر علينا فأمض اختيارك ، وائتمر فأمض ائتمارك (٣) فانك القائل المصدق ، والحاكم الموفق ، والملك المخول (٤) ، لا نستحل في شي ء من معصيتك ، ولا نقيس علما بعلمك ، يعظم عندنا في ذلك خطرك (٥) ، ويجل عنه في أنفسنا فضلك.
فأجابه أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : إن من حق من عظم جلال الله في نفسه و جل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه ، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعم الله عليه ، ولطف إحسانه إليه ، فإنه لم تعظم نعم الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما ، وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس (٦) أن يظن بهم حب الفخر ، ويوضع أمر هم على الكبر ، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني احب الاطراء (٧) واستماع الثناء ، ولست بحمدالله كذلك ، ولو
____________________
(١) « أبلاهم » : انعمهم. « من واجب حقه » يعنى من حق أمير المؤمنين «ع».
(٢) أشار به إلى قوله تعالى : « ويضع عنهم اصرهم والاغلال التى كانت عليهم » أى يخفف عنهم ما كانوا به من التكاليف الشاقة.
(٣) الايتمار بمعنى المشاورة.
(٤) أى الملك الذى اعطالك الله للامرة علينا وجعلنا خدمك وتبعك.
(٥) أى في العلم بأن تكون كلمة « في » تعليلية ويحتمل أن يكون اشارة إلى مادل عليه من الكلام من اطاعته عليهالسلام. والخطر : القدر والمنزلة.
(٦) السخف : رقة العيش ورقة العقل ، والسخافة رقة كل شئ ، أى أضعف أحوال الولاة عند الرعية أن يكونوا متهمين عند هم بهذه الخصلة المذمومة.
(٧) جال بالجيم من الحولان بالواو. والاطراء : مجاوزة الحد في الثناء.