الالوف (١) قد تداولتهم أيامها ، وابتعلتهم أعوامها ، فصاروا أمواتا وفي القبور رفاتا قد يئسوا ما خلفوا (٢) ووقفوا على ما أسلفوا ، ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين.
وكأني بها وقد أشرفت بطلايعها وعسكرت بفظايعها ، فأصبح المرء بعد صحته مريضا ، وبعد سلامته نقيصا (٣) يعالج كربا ويقاسي تعبا ، في حشرجة السباق (٤) و تتابع الفواق ، وتردد الانين ، والذهول عن البنات والبنين ، والمرء قد اشتمل عليه شغل شاغل وهو هائل ، قد اعتقل منه اللسان وتردد منه البنان ، والمرء فأصاب مكروها وفارق الدنيا مسلوبا ، لا يملكون له نفعا ولا لما حل به دفعا ، يقول الله عزوجل في كتابه : « فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين (٥) » ثم من دون ذلك أهوال يوم القيامة ويوم الحسرة والندامة ، يوم تنصب الموازين ، وتنشر الدواوين بإحصاء كل صغير وإعلان كل كبيرة ، يقول الله في كتابه « ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا » (٦) [ ثم قال : ].
أيها الناس الآن الآن من قبل الندم ومن قبل أن تقوم نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين »
____________________
للملوك : قال الازهرى : وأحسبه معربا. والدسكره : القربة.
(١) شرف البيت ـ من باب التفعيل ـ : جعل له شرفا. وجمهر الشئ : جمعه.
(٢) في المصدر « قد نسوا ما خلفوا ».
(٣) في المصدر « نقيضا » بالضاد المعجمة.
(٤) حشرج الرجل أى غرغر عند الموت وتردد نفسه. والفواق ـ بالضم ـ : ما يأخذ الانسان عند النزع ، وترجيع الشهقة العالية.
(٥) الواقعة : ٨٦ و ٨٧ وقوله « غير مدينين » أى غير مجزيين يوم القيامة أو غير مملوكين مقهورين من دانه اذا اذله واستعبده وأصل التركيب للذل والانقياد.
(٦) الكهف : ٤٧.