يكفيها اليسير ، تضعف عن هذا فان استطعتم أن تجزعوا لاجسادكم (١) وأنفسكم مما لا طاقة لكم به ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحب الله ، واتركوا ما كره الله.
يا عبادالله إن بعد البعث ما هو أشد من القبر يوم يشيب فيه الصغير ، ويسكر منه الكبير ، ويسقط فيه الجنين ، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت ، يوم عبوس قمطرير يوم كان شره مستطيرا ، إن فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم وترعد منه السبع الشداد ، والجبال الاوتاد ، والارض المهاد ، وتنشق السماء فهي يومئذ واهية ، وتتغير فكأنها وردة كالدهان ، وتكون الجبال سرابا مهيلا ، بعد ما كانت صما صلابا ، وينفخ في الصور فيفزع من في السموات ومن في الارض إلا من شاءالله ، فكيف من عصى بالسمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج والبطن ، إن لم يغفر الله له ويرحمه من ذلك اليوم لانه يفضى ويصير إلى غيره إلى نار قعرها بعيد ، وحرها شديد ، و شرابها صديد ، وعذابها جديد ، ومقامعها حديد ، لا يفتر عذابها ، ولا يموت ساكنها ، دار ليس فيها رحمة ، ولا تسمع لاهلها دعوة.
واعلموا يا عبادالله إن مع هذا رحمة الله التي لا تعجز العباد جنة عرضها كعرض السموات والارض اعدت للمتقين ، ولا يكون معها شر أبدا. لذاتها لا تمل ومجتمعها لا يتفرق ، وسكانها قد جاوروا الرحمن ، وقام بين أيديهم الغلمان بصحاف من الذهب فيها الفاكهة والريحان.
ثم اعلم يا محمد بن أبي بكر إني قدو ليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر فاذا وليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت حقيق أن تخاف منه على نفسك ، وأن تحذر منه على دينك ، فإن استطعت أن لا تسخط ربك برضى أحد من خلقه فافعل فان لله عزوجل خلفا من غيره وليس في شئ سواه خلف منه ، اشتد على الظالم ، وخذ عليه ولن لاهل الخير وقربهم ، واجعلهم بطانتك وأقرانك ، وانظر إلى صلاتك كيف هي فإنك إمام لقومك ان تتمها ولا تخففها وليس من إمام يصلي بقوم يكون في صلاتهم نقصان إلا كان عليه لاينقص من صلاتهم شئ ، وتممها وتحفظ فيها يكن لك
____________________
(١) في مجالس المفيد « تنزعوا أحسادكم » وهو الصواب.