قوم شرحت قلوبهم بالشبهة ، وتطاولوا على غيرهم بالفرية (١) وحسبوا أنها لله قربة وذلك لانهم عملوا بالهوى ، غيروا كلام الحكماء ، وحرفوه بجهل وعمى ، و طلبوا به السمعة والرياء (٢) بلا سبيل قاصدة ، ولا أعلام جارية ، ولا منار معلوم إلى أمدهم ، وإلى منهلهم واردوه (٣) وحتى إذا كشف الله لهم عن ثواب سياستهم (٤) و استخرجهم من جلا بيب غفلتهم ، استقبلوا مدبرا واستدبروا مقبلا ، فلم ينتفعوا بما أدركوا من امنيتهم ولا بما نالوا من طلبتهم ولا ما قضوا من وطرهم (٥) وصار ذلك عليهم وبالافصار وايهربون مما كانوا يطلبون.
وإني احذركم هذه المزلة وآمركم بتقوى الله الذي لا ينفع غيره ، فلينتفع بنفسه إن كان صادقا على ما يجن ضميره (٦) فإنما البصير من سمع وتفكر ونظر وأبصر وانتفع بالعبر وسلك جددا واضحا (٧) يتجنب فيه الصرعة في الهوى ، ويتنكب طريق العمى ، ولا يعين على فساد نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في نطق أو تغيير
____________________
(١) تطاول عليه : اعتدى وترفع عليه. والفرية ـ بالكسر ـ : القذف والكذبة العظيمة التى يتعجب منها.
(٢) السمعة ـ بالضم ـ : ما يسمع ، يقال : فعله رئاء وسمعة اى فعله ليراه الناس ويسمعوه.
(٣) المنار ـ بالفتح ـ : ما يعجل في الطريق للاهتداء. والمنهل : المورد وموضع الشرب على الطريق ويسمى أيضا المنزل الذى في المفاوز على طريق المسافر منهلالان فيه ماء.
(٤) في بعض نسخ المصدر « عن جزاء معصيتهم ».
(٥) الامنية : البغية وما يتمنى. والطلبة ـ بالكسر ـ : اسم من المطالبة ـ وبالفتح ـ : المرة. والوطر ـ بفتحتين : الحاجة.
(٦) أى يستره. وفى بعض النسخ « فلينتفع بتقية ان كان صادقا على ما يحن ضميره ».
(٧) الجدد ـ بفتحتين ـ الارض الصلبة المستوبة التى يسهل المشى فيها. ويتنكب : عدل وتجنب. والغواة ـ بالضم ـ : جمع غاوى اسم فاعل من غوى. وتعسف في الحق أو القول : أخذه على غير هداية أو حمله على معنى لا تكون دلالته عليه ظاهرة.