في صدق. ولا قوة إلا بالله.
قولوا ما قيل لكم وسلموا لما روي لكم ولا تكلفوا ما لم تكلفوا فإنما تبعته عليكم فيما كسبت أيديكم ولفظت ألسنتكم أو سبقت إليه غايتكم ، واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة واقصدوا السهولة واعلموا فيما بينكم بالمعروف من القول والفعل واستعملوا الخضوع واستشعروا الخوف والاستكانة لله. واعملوا فيما بينكم بالتواضع والتناصف والتباذل (١) وكظم الغيظ ، فإنها وصية الله.
وإياكم والتحاسد والاحقاد ، فإنهما من فعل الجاهلية « ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون » (٢).
أيها الناس اعلموا علما يقينا أن الله لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت نكايته أكثر مما قدرله في الذكر الحكيم ، ولم يحل بين المرء على ضعفه وقلة حيلته وبين ما كتب له في الذكر الحكيم. أيها الناس إنه لن يزداد امرء نقيرا بحذقه (٣) ولن ينتقص نقير الحمقه ، فالعالم بهذا ، العامل به أعظم الناس راحة في منفعة. والتارك له أكثر الناس شغلا في مضرة. رب منعم عليه في نفسه مستدرج بالاحسان إليه. ورب مبتلى عند الناس مصنوع له (٤).
فأفق أيها المستمتع من سكرك (٥) وانتبه من غفلتك وقصر من عجلتك (٦)
____________________
(١) التناصف : الانصاف.
(٢) سورة الحشر : ١٨.
(٣) النقير : النكتة التى في ظهر النواة. والمراد بها هنا الحقير والقليل من الشئ والمراد بالذكر الحكيم : اللوح المحفوظ ، ولا يكون للانسان أن ينال من الكرامة فوق ما كتب له في اللوح المحفوظ.
(٤) أى لا يغتر المنعم عليه بالنعمة. فربما تكون هذه النعمة استدراجا له من الله ثم يأخذه من حيث لا يشعر. وكذلك لا يقنط المبتلى عند الناس فقد تكون البلوى صنعا من الله له ليرفع بها مقامه ومنزلته.
(٥) في بعض النسخ « فافق أيها المستمع من سكرك ».
(٦) أى العجلة في طلب الدنيا.