من الذنب والنعمة موفر (١) ويبتغي الزيادة ولا يشكر ، ويتكلف من الناس ما لا يعنيه ويصنع من نفسه ما هو أكثر. إن عرضت له شهوة واقعها باتكال على التوبة ، وهو لا يدري كيف يكون ذلك. لا تغنيه رغبته ولا تمنعه رهبة. ثم يبالغ في المسألة حين يسأل ، ويقصر في العمل ، فهو بالقول مدل (٢) ومن العمل مقل ، يرجو نفع عمل ما لم يعمله. ويأمن عقاب جرم قد عمله. يبادر من الدنيا إلى ما يفنى ، ويدع جاهدا ما يبقى (٣) وهو يخشى الموت ولا يخاف الفوت. يستكثرمن معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه. ويستكثر من طاعته ما يحتقر من غيره. يخاف على غيره بأدنى من ذنبه. ويرجو لنفسه بأدنى من عمله.
فهو على الناس طاعن ولنفسه مداهن. يؤدي الامانة ما عوفي وارضي ، و الخيانة إذا سخط وابتلي. إذا عوفي ظن أنه قد تاب. وإن ابتلي ظن أنه قد عوقب يؤخر الصوم ويعجل النوم ، لا يبيت قائما ، ولايصبح صائما. يصبح وهمته الصبح ولم يسهر (٤). ويمسي وهمته العشاء وهو مفطر. يتعوذ بالله ممن هودونه ولا يتعوذ ممن هوهو فوقه. ينصب الناس لنفسه ولا ينصب نفسه لربه. النوم مع الاغنياء أحب إليه من الركوع مع الضعفاء ، يغضب من اليسير ويعصي في الكثير ، يعزف لنفسه على غيره (٥) ولا يعزف عليها لغيره. فهو يحب أن يطاع ولا يعصى ويستوفى ولا يوفي.
يرشد غيره ويغوي نفسه. ويخشى الخلق في غير ربه ولا يخشى ربه في خلقه. يعرف ما أنكر وينكر ما عرف. ولايحمد ربه على نعمه. ولا يشكره على مزيد ، ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر فهو دهره في لبس (٦) إن مرض أخلص وتاب وإن عوفي
____________________
(١) أى ولا ينقص منهما شيئا من وفره اى كثره وجعله وفرا أى كثيرا.
(٢) يقال : ادل على فلان أى أخذه من فوقه واستعلى عليه.
(٣) يبادر في الدنيا إلى ما كان يفنى ويترك ما يبقى من الاعمال التى كانت للاخرة ، ومع أنه يخشى من الموت لا يخاف الفوت ، وفى النهج « يخشى الموت ولا يبادر الفوت ».
(٤) ولم يسهر أى ينام الليل كله والسهر ـ بالتحريك ـ : عدم النوم في الليل.
(٥) يعزف : يزهد ويمنع.
(٦) أى كان في مدة عمره الذى يعيش في خلط واشتباه.