إذا توفى أحدا ، بل كيف يتوفى الجنين في بطن امه ، أيلج عليه من بعض جوارحها أم الروح أجابته باذن ربها ، أم هو ساكن معها في أحشائها ، كيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله.
٤٦ ـ ومن خطبة له عليهالسلام : عباد الله ، الله الله (١) في أعز الانفس عليكم ، وأحبها إليكم ، فان الله قد أفصح سبيل الحق ، وأنار طرقه ، بشقوة لازمة ، أو سعادة دائمة (٢) فتزودوا في أيام الفناء لايام البقاء ، فقد دللتم على الزاد ، وامرتم بالظعن (٣) وحثثتم على السير ، فانما أنتم كركب وقوف لا يدرون متى يؤمرون بالمسير.
ألا فما يصنع بالدنيا من خلق للاخرة؟ وما يصنع بالمال من عما قليل يسلبه ويبقى عليه تبعته وحسابه؟
عبادالله إنه ليس لما وعدالله من الخير مترك ، ولا فيما نهى عنه من الشر مرغب.
عباد الله احذروا يوما تفحص فيه الاعمال ، ويكثر فيه الزلزال وتشيب فيه الاطفال ، اعلموا عباد الله أن عليكم رصدا من أنفسكم ، وعيونا من جوار حكم وحفاظ صدق يحفظون أعمالكم وعدد أنفاسكم ، لا تستركم منه ظلمة ليل داج ، ولا يكنكم منه باب ذو رتاج (٤) وإن غدا من اليوم قريب ، يذهب اليوم بما فيه ويجئ الغد بما لا خفاء به ، فكان كل امرء منكم قد بلغ من الارض منزل وحدته ومحط حفرته ، فياله من بيت وحدة ، ومنزل وحشة ، ومفرد غربة ، وكأن الصيحة قد أتتكم ، والساعة قد غشيتكم ، وبررتم لفصل القضاء ، قد زاحت عنكم الاباطيل واضمحلت عنكم العلل (٥) واستحقت بكم الحقايق ، وصدرتكم الامور مصادرها
____________________
(١) أى راقبوا الله في أعز الانفس ولعل المراد بها النفس المطمئنة.
(٢) مرفوعان على الخبرية أى فعاقبتكم أو جزاؤكم شقوة أو سعادة واللازم غير مفارق والدائم : غير الزائل.
(٣) والظعن : الرحيل.
(٤) الداجى : المظلم. والرتاج ـ ككتاب : الباب العظيم اذا كان محكم الغلق.
(٥) زاحت أى بعدت ، والعلل : جمع العلة وهى المرض الشاغل.