الاخاء ، فكلهم وحيد وهم جميع ، وبجانب الهجروهم أخلاء ، لا يتعارفون لليل صباحا ولا لنهار مساء.
أى الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا (١) شاهدوا من أخطار دارهم أفظع مما خافوا (٢) ورأوا من آياتها أعظم مما قد روا (٣) فكلتا الغايتين مدت لهم إلى مباءة فأتت مبالغ الخوف والرجاء (٤) فلو كانوا ينطقون بها لعيوا (٥) بصفة ما شاهدوا وما عاينوا.
ولئن عميت آثارهم ، وانقطعت أخبارهم ، لقدر جعت فيهم أبصار العبر (٦) وسمعت عنهم آذان العقول ، وتكلموا من غير جهات النطق فقالوا : كلحت الوجوه النواضر ، وخوت الاجسام النواعم (٧) ولبسنا أهدام البلى ، وتكاء دناضيق المضجع (٨) وتوارثنا الوحشة ، وتهكمت علينا الربوع الصموت (٩) فانمحت محاسن أجسادنا ،
____________________
(١) الجديدان : الليل والنهار. فان ذهبوا في نهار فلا يعرفون له ليلا أو في ليل فلا يعرفون نهارا.
(٢) الخطر بالتحريك : الاشراف على الهلاك. وقوله : « أفظع » أى اشد شناعة.
(٣) أى تصوروه : بعقولهم.
(٤) المباءة : مكان التبوء والاستقرار أى ضرب لها أجل ينتهون فيه إلى مباءة وهى المرجع إلى الجنة أو النار فاتت ذلك المرجع مبالغ الخوف والرجاء عظمة ، او تجاوزت عن أن يبلغها خوف خائف اورجاء راج لعظمتها.
(٥) العى العجز ، وعيى عن الكلام : عجز.
(٦) أى نظرت اليهم بعد الموت نظرة ثانية. والعبر : جمع عبرة.
(٧) كلح أى عبس. والنواصر : الحسنة البواسم. خوت أى تهدمت بنيتها ، وتفرقت أعضاؤها.
(٨) أهدام جمع هدم وهو الثوب البالى. وتكأد الامر بتشديد الهمزة ـ أى شق على.
(٩) تهكمت أى تهدمت. والربوع : أماكن الاقامة. والصموت : جمع صامت وهى التى لا تنطق ، والمراد القبور.