الدنيا إليه ، في ظل عيش غفول (١) إذ وطئ الدهر به حسكه ، ونقضت الايام قواه ، ونظرت إليه الحتوف من كثب ، فخالطه بث لا يعرفه ، ونجي هم ما كان يجده (٢) وتولدت فيه فترات علل آنس ما كان بصحته ، ففزع إلى ما كان عوده الاطباء من تسكين الحار بالقار (٣) وتحريك البارد بالحار ، فلم يطفئ ببارد إلا ثور حرارة ، ولا حرك بحار إلا هيج برودة ، ولا اعتدل بممازج لتلك الطبايع إلا أمد منها كل ذات داء (٤) حتى فتر معلله ، وذهل ممرضه ، وتعايا أهله بصفة دائه ، وخرسوا عن جواب السائلين عنه ، وتنازعوا دونه شجي خبر يكتمونه (٥)
____________________
والشح : البخل.
(١) « فبينا هو يضحك إلى الدنيا » أى مشتاقا أى متوجها اليها. و « يضحك الدنيا اليه » يجرى على وفق مراده. ووصف العيش بالغفلة لانه اذا كان هنيئا يوجبها.
(٢) الحسك : نبات تعلق قشرته بصوف. والمراد ابتلاوه بألام الدهر. والحتوف جمع الحتف بالفتح وهو الموت والهلاك. والكثب بالتحريك : أى قرب ، يعنى توجهت اليه المهلكات على قرب منه. والبث : الحزن. وخالطه الحزن أى دخل في باطنه والنجى : المناجى ، فعيل من ناجاه مناجاة أى ساره. والهم : الحزن.
(٣) الفترة بالفتح : انكسار الحدة واللين على الحال. و « آنس » حال من ضمير « فيه ». أى تولد فيه الضعف بسبب العلل حال كونه أشد انسا بصحته من جميع الاوقاف السابقة والقارهنا ضد الحار.
(٤) أى ما طلب تعديل مزاجه بدواء يمازج ما فيه من الطبايع ليعدلها الاوساعد كل طبيعة على تولد الداء.
(٥) معلل المريض : من يسليه عن مرضه بترجية الشفاء ، كما أن ممرضه من يتولى خدمته في مرضه لمرضه. وذهله وذهل عنه ـ كمنع ـ أى نسبه أوتناساه عمدا. وتعايا أى أظهر العيى أى العجز ، وعييت بأمرى كرضيت : اذا لم تهتد لوجهه ، وتعايا أهله بصفة دائه أى اشتركوا في العجز والحيرة عن وصف دائه للطبيب ومن يسأل عن حاله. وخرس. كفرح ـ أى انعقد لسانه ومنع من الكلام خلقة والمراد سكتوا كالا خرس عن جواب السائلين فلا يخبرون عن عافيته