واعملوا عباد الله إنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا ، وأشد بطشا ، وأعمر ديارا ، وأبعد آثارا ، فأصبحت أصواتهم هامدة جامدة (١) من بعد طول تقلبها ، وأجسادهم بالية ، وديار هم خالية وآثار هم عافية (٢) واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر والنمارق الممهدة (٣) الصخور والاحجار المسندة في القبور اللاطية الملحدة (٤) التي قدبين الخراب فناؤها وشيد التراب بناؤها ، فمحلها مقترب ، وساكنها مغترب (٥) بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين ، لا يستأنسون بالعمران ، ولا يتواصلون الجيران والاخوان ، علي ما بينهم من قرب الجوار ، ودنو الدار ، وكيف يكون بينهم تواصل ، وقد طحنهم بكلكلة البلى ، فأكلهم الجنادل والثرى (٦) فأصبحوا بعد الحياة أمواتا ، وبعد غضارة العيش رفاتا ، فجع بهم الاحباب ، وسكنوا التراب ، وظعنوا فليس لهم إياب.
هيهات هيهات كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ، وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى ، والوحدة في دارالموت ، وارتهنتم في ذلك
____________________
والانين : التأوه. وحفى الانين أى كثرة التأوه. والعرنين : الانف او ماصلب منه. والعلز قلق وخفة وهلع يصيب المريض والمحتضر. والفيض : الموت. والرمق بقية الحياة. والمضض ـ محركة ـ : وجع المصيبة ، وبلوغ الهم والحزن من القلب. والغصص جمع غصة.
والجرض : الريق ، جرض بريقه كفرح ابتلعه بالجهد على هم وحزن.
(١) الهمود : طفوء النار اوذهاب حرارتها والفعل كنصر.
(٢) أى ممحوة وعفا أثره أى انمحى واندرس.
(٣) النمارق جمع نمرقة وهى الوسادة يتكأ عليها. الممهدة : المبسوطة.
(٤) الاستناد إلى الشئ : الاعتماد عليه. ولطأ بالارض ـ كمنع وفرح ـ : لصق.
(٥) المغترب : الظاعن.
(٦) الكلكل ـ كجعفر ـ : صدر البعير ، شبه عليهالسلام البلى اى الفناء بالجمل يرض صدره ما برك عليه. والجنادل : الحجارة. والثرى : التراب.