زبره وشتمه (١) وقال له : بينا أنت من عبيدي وعيون أهل مملكتي ووجههم وأشرافهم إذ فضحت نفسك وضيعت أهلك ومالك واتبعت أهل البطالة والخسارة حتى صرت ضحكة ومثلا ، وقد كنت أعددتك لمهم اموري ، والاستعانة بك على ما ينوبني ، فقال له : أيها الملك إن لم يكن لي عليك حق فلعقلك عليك حق ، فاستمع قولي بغير غضب ، ثم ائمر بما بدالك بعد الفهم والتثبيت ، فإن الغضب عدو العقل ، ولذلك يحول ما بين صاحبه وبين الفهم ، قال له الملك : قل ما بدالك.
قال الناسك : فإني أسألك أيها الملك أفي ذنبي على نفسي عتبت علي أم في ذنب مني إليك سالف؟.
قال الملك : إن ذنبك إلى نفسك أعظم الذنوب عندي ، وليس كلما أراد رجل من رعيتي أن يهلك نفسه أخلي بينه وبين ذلك ، ولكني أعد إهلاكه لنفسه كإهلاكه لغيره ممن أنا وليه والحاكم عليه وله ، فأنا أحكم عليك لنفسك وآخذ لها منك إذ ضيعت أنت ذلك ، فقال له الناسك : أراك أيها الملك لا تأخذني إلا بحجة ولا نفاذ لحجة إلا عند قاض ، وليس عليك من الناس قاض ، لكن عندك قضاة وأنت لاحكامهم منفذ ، وأنا ببعضهم راض ، ومن بعضهم مشفق.
قال الملك : وما أولئك القضاة ، قال : أما الذي أرضى قضاءه فعقلك ، وأما الذي أنا مشفق منه فهواك ، قال الملك : قل ما بدالك وأصدقني خبرك ومتى كان هذا رأيك؟ ومن أغواك؟ قال : أما خبري فإني كنت سمعت كلمة في حداثة سني وقعت في قلبي فصارت كالحبة المزروعة ثم لم تزل تنمي حتى صارت شجرة إلى ما ترى ، وذلك؟ أني كنت قد سمعت قائلا يقول : يحسب الجاهل الامر الذي هو لا شئ شيئا والامر الذي هو الشئ لا شئ ، ومن لم يرفض الامر الذي هو لا شئ لم ينل الامر الذي هو شئ ، ومن لم يبصر الامر الذي هو الشئ لم تطب نفسه برفض الامر الذي هو لا شئ ، والشئ هو الاخرة ، ولا شئ هو الدنيا ، فكان لهذه الكلمة عندي قرار لاني وجدت الدنيا حياتها موتا وغناها فقرا ، وفرحها ترحا ، وصحتها سقما ، و
____________________
(١) النساك : العباد. وزبره أى زجره.