بلوهر : إني رجل طبيب وإني لارى في بصرك ضعفا فأخاف إن نظرت إلى سلعتي أن يلتمع بصرك ، ولكن ابن الملك صحيح البصر حدث السن ولست أخاف عليه أن ينظر إلى سلعتي فإن رأى ما يعجبه كانت له مبذولة على ما يحب ، وإن كان غير ذلك لم تدخل عليه مؤونة ولا منقصة ، وهذا أمر عظيم لا يسعك أن تحرمه إياه أو تطويه دونه ، فانطلق الحاضن إلى ابن الملك فأخبره خبر الرجل فحس قلب ابن الملك بأنه قد وجد حاجته ، فقال : عجل إدخال الرجل علي ليلا وليكن ذلك في سر وكتمان ، فإنه مثل هذا لا يتهاون به.
فأمر الحاضن بلوهر بالتهيي ء للدخول عليه ، فحمل معه سفطا فيه كتب له ، فقال الحاضن : ما هذا السفط؟ قال بلوهر : في هذا السفط سلعتي فاذا شئت فأدخلني عليه فانطلق به حتى أدخله عليه فلما دخل عليه بلوهر سلم عليه وحياه وأحسن ابن الملك إجابته ، وانصرف الحاضن ، وقعد الحكيم عند الملك فأول ما قال له بلوهر : رأيتك يا ابن الملك زدتني في التحية على ما تصنع بغلمانك وأشراف أهل بلادك؟ قال ابن الملك : ذلك لعظيم ما رجوت عندك ، قال بلوهر : لئن فعلت ذلك بي فقد كان رجلا من الملوك في بعض الافاق يعرف بالخير ويرجى فبينا هو يسير يوما في موكبه إذ عرض له في مسيره رجلان ماشيان ، لباسهما الخلقان ، وعليهما أثر البؤس والضر ، فلما نظر إليهما الملك لم يتمالك أن وقع على الارض فحياهما وصافحهما ، فلما رأى ذلك وزراؤه اشتد جزعهم مما صنع الملك فأتوا أخا له وكان جريا عليه فقالوا : إن الملك أزرى بنفسه ، وفضح أهل مملكته ، وخر عن دابته لانسانين دنيين ، فعاتبه على ذلك كيلا يعود ، ولمه على ما صنع ، ففعل ذلك أخ الملك فأجابه الملك بجواب لا يدري ما حاله فيه أساخط عليه الملك أم راض عنه ، فانصرف إلى منزله حتى إذا كان بعد أيام أمر الملك مناديا وكان يسمى منادي الموت فنادى في فناء داره ، وكانت تلك سنتهم فيمن أرادوا قتله ، فقامت النوائح والنوادب في دار أخ الملك ولبس ثياب الموتى وانتهى إلى باب الملك وهو يبكي بكاء شديدا ونتف شعره ، فلما بلغ ذلك الملك دعابه ، فلما أذن له الملك دخل