قال ابن الملك أيخص الانبياء والرسل عليهم إذا جاءت بما يبعث به أم تعم؟.
قال بلوهر : إن الانبياء والرسل إذا جاءت تدعوا عامة الناس فمن أطاعهم كان منهم ، ومن عصاهم لم يكن منهم ، وما تخلو الارض قط من أن يكون لله عزوجل فيها مطاع من أنبيائه ورسله ومن أوصيائه ، وإنما مثل ذلك مثل طائر كان في ساحل البحر يقال له قدم (١) يبيض بيضا كثيرا وكان شديد الحب للفراخ وكثرتها ، وكان يأتي عليه زمان يتعذر عليه فيه ما يريده من ذلك ، فلا يجد بدا من اتخاذ أرض اخرى حتى يذهب ذلك الزمان فيأخذ بيضه مخافة عليه من أن يهلك من شفقته فيفرقه في أعشاش الطير فتحضن الطير بيضته مع بيضتها وتخرج فراخه مع فراخها ، فإذا طال مكث فراخ قدم مع فراخ الطير ألفها بعض فراخ الطير واستأنس بها فإذا كان الزمان الذي ينصرف فيه قدم إلى مكانه مر بأعشاش الطير وأو كارها بالليل فأسمع فراخه وغيرها صوته فإذا سمعت فراخه صوته تبعته وتبع فراخه ما كان ألفها من فراخ سائر الطير ولم يجبه ما لم يكن من فراخ ولا ما لم يكن ألف فراخه وكان قد يضم إليه من أجابه من فراخه حبا للفراخ ، و كذلك الانبياء إنما يستعرضون الناس جميعا بدعائهم فيجيبهم أهل الحكمة والعقل لمعرفتهم لفضل الحكمة ، فمثل الطير الذي دعا بصوته مثل الانبياء والرسل التي تعم الناس بدعائهم ، ومثل البيض المتفرق في أعشاش الطير مثل الحكمة ، ومثل سائر فراخ الطير التي ألفت فراخ قدم مثل من أجاب الحكماء قبل مجيئ الرسل ، لان الله عزوجل جعل لانبيائه ورسله من الفضل والرأي ما لم يجعل لغيرهم من الناس ، وأعطاهم من الحجج والنور والضياء ما لم يعط غيرهم ، وذلك لما يريد من بلوغ رسالته ومواقع حججه ، وكانت الرسل إذا جاءت وأظهرت دعوتها أجابهم من الناس أيضا من لم يكن أجاب الحكماء وذلك لما جعل الله عزوجل على دعوتهم من الضياء والبرهان.
قال ابن الملك : أفرأيت ما يأتي به الرسل والانبياء إذ زعمت أنه ليس
____________________
(١) في بعض النسخ «قرم» ولعل الصواب «قرلى».