يكن له فيها خطر ، ولم يملك من الارض حظا قط فلا تتخذ فيها يا ابن الملك دارا ، ولا تتخذن فيها عقدة ولا عقارا ، فاف لها وتف.
قال ابن الملك : اف لها ولمن يغتر بها إذ كان هذا حالها ورق ابن الملك وقال : زدني أيها الحكيم من حديثك فإنه شفاء لما في صدري.
قال الحكيم : إن العمر قصير ، والليل والنهار يسرعان فيه ، والارتحال من الدنيا حثيث قريب ، وإنه وإن طال العمر فيها فإن الموت نازل ، والظاعن لا محالة راحل فيصير ما جمع فيها مفرقا ، وما عمل فيها متبرا ، وما شيد فيها خرابا ، ويصير اسمه مجهولا ، وذكره منسيا ، وحسبه خاملا وجسده باليا ، وشرفه وضيعا ، ونعمته وبالا ، وكسبه خسارا ، ويورث سلطانه ، ويستذل عقبه ، ويستباح حريمه ، وتنقض عهوده ، وتخفر ذمته ، وتدرس آثاره ، ويوزع ماله ، ويطوى رحله ، ويفرح عدوه ويبيد ملكه ، ويورث تاجه ، ويخلف على سريره ، ويخرج من مساكنه مسلوبا مخذولا فيذهب به إلى قبره فيدلى في حفرته في وحدة وغربة وظلمة ووحشة ومسكنة وذلة ، قد فارق الاحبة ، وأسلمته العصبة فلا تؤنس وحشته أبدا ، ولا ترد غربته أبدا ، واعلم أنها يحق على المرء اللبيب من سياسة نفسه خاصة كسياسة الامام العادل الحازم الذي يؤدب العامة ، ويستصلح الرعية ، ويأمرهم بما يصلحهم ، وينهاهم عما يفسدهم ، ثم يعاقب من عصاه منهم ، ويكرم من أطاعه منهم ، فكذلك للرجل اللبيب أن يؤدب نفسه في جميع أخلاقها وأهوائها وشهواتها وأن تحملها وإن كرهت على لزوم منافعها فيما أحبت وكرهت ، وعلى اجتناب مضارها ، وأن يجعل لنفسه عن نفسه ثوابا وعقابا من مكانها من السرور إذا أحسنت ، ومن مكانها من الغم إذا أساءت ، ومما يحق على ذي العقل فيما ورد عليه من اموره ، والاخذ بصوابها ، وينهى نفسه عن خطائها ، وأن يحتقر عمله ونفسه في رأيه لكيلا يدخله عجب ، فإن الله عزوجل قد مدح أهل العقل وذم أهل العجب ، ومن لا عقل له ، وبالعقل يدرك كل خير بإذن الله تبارك وتعالى ، وبالجهل تهلك النفوس ، وإن من أوثق