بما وصف به نفسه ، ولا تدرك الاوهام عظم ربوبيته ، هو أعلى من ذلك وأجل وأعز وأعظم وأمنع وألطف ، فتاح للعباد من علمه بما أحب ، وأظهرهم من صفته على ما أراد ، وأدلهم على معرفته ومعرفة ربوبيته بإحداث ما لم يكن ، وإعدام ما أحدث.
قال ابن الملك : وما الحجة؟ قال : إذا رأيت شيئا مصنوعا غاب منك صانعه علمت بعقلك أن له صانعا ، فكذلك السماء والارض وما بينهما ، فأي حجة أقوى من ذلك.
قال ابن الملك : فأخبرني أيها الحكيم أبقدر من الله عزوجل يصيب الناس ما يصيبهم من الاسقام والاوجاع والفقر والمكاره أو بغير قدر.
قال بلوهر : لا بل بقدر ، قال : فأخبرني عن أعمالهم السيئة ، قال : إن الله عزوجل من سيئ أعمالهم برئ ولكنه عزوجل أوجب الثواب العظيم لمن أطاعه والعقاب الشديد لمن عصاه.
قال : فأخبرني من أعدل الناس ومن أجورهم ، ومن أكيسم ومن أحمقهم ، ومن أشقاهم ومن أسعدهم؟ قال : أعدلهم أنصفهم من نفسه وأجورهم من كان جوره عنده عدلا وعدل أهل العدل عنده جورا ، وأما أكيسهم فمن أخذ لاخرته اهبتها (١) ، وأحمقهم من كانت الدنيا همه ، والخطايا عمله ، وأسعدهم من ختم عاقبة عمله بخير ، وأشقاهم من ختم له بما يسخط الله عزوجل.
ثم قال : من دان الناس بما إن دين بمثله هلك فذلك المسخط لله ، المخالف لما يحب ، ومن دانهم بما إن دين بمثله صلح فذلك المطيع لله الموافق لما يحب المجتنب لسخطه ، ثم قال : لا تستقبحن الحسن وإن كان في الفجار ، ولا تستحسنن القبيح وإن كان في الابرار.
ثم قال له : أخبرني أي الناس أولى بالسعادة؟ وأيهم أولى بالشقاوة؟ قال بلوهر : أولاهم بالسعادة المطيع لله عزوجل في أمره ، والمجتنب لنواهيه ، وأولاهم بالشقاوة العامل بمعصية الله ، التارك لطاعته ، المؤثر لشهوته على رضى الله
____________________
(١) الاهبة : العدة ، يقال أخذ للسفر أهبته أى أسبابه.