أديتم الحق إلى من أعطاكموه واجتهدتم في الشكر لمن رزقكموه ، فقال لهم العامة :
ما وهبه لنا إلا الله تبارك وتعالى ، ولا امتن به علينا غيره ، قال العلماء : فإن كان الله عزوجل هو الذي وهبه لكم فقد أرضيتم غير الذي أعطاكم وأسخطتم الله الذي وهبه لكم فقالت لهم الرعية : فأشيروا لنا أيها الحكماء وأخبرونا أيها العلماء فنتبع قولكم ونتقبل نصيحتكم ، ومرونا بأمركم. قالت العلماء : فإنا نرى لكم أن تعدلوا عن اتباع مرضات الشيطان بالمعازف والملاهي والمسكر إلى ابتغاء مرضات الله عزوجل وشكره على ما أنعم به عليكم أضعاف شكركم للشيطان حتى يغفر لكم ما كان منكم قالت الرعية : لا تحمل أجسادنا كل الذي قلتم وأمرتم به ، قالت العلماء : يا أولى الجهل كيف أطعتم من لا حق له عليكم وتعصون من له الحق الواجب عليكم وكيف قويتم على مالا ينبغي وتضعفون عما ينبغي؟! قالوا لهم : يا أئمة الحكماء عظمت فينا الشهوات وكثرت فينا اللذات فقوينا بما عظم فينا منها على العظيم من مشكلها و ضعفت منا النيات فعجزنا عن حمل المثقلات فارضوا منا في الرجوع عن ذلك يوما فيوما ، ولا تكلفونا كل هذا الثقل. قالوا لهم : يا معشر السفهاء ألستم أبناء الجهل وإخوان الضلال حين خفت عليكم الشقوة وثقلت عليكم السعادة ، قالوا لهم :
أيها السادة الحكماء والقادة العلماء إنا نستجير من تعنيفكم إيانا بمغفرة الله عزوجل ونستتر من تعييركم لنا بعفوه فلا تؤنبونا (١) ولا تعيرونا بضعفنا ولا تعيبوا الجهالة علينا فإنا إن أطعنا الله مع عفوه وحلمه وتضعيفه الحسنات أو اجتهدنا في عبادته مثل الذي بذلنا لهوانا من الباطل بلغنا حاجتنا وبلغ الله عزوجل بنا غايتنا ورحمنا كما خلقنا ، فلما قالوا ذلك أقرهم علماؤهم ورضوا قولهم فصلوا وصاموا وتعبدوا وأعظموا الصدقات سنة كاملة ، فلما انقضى ذلك منهم قالت الكهنة إن الذي صنعت هذه الامة على هذا المولود يخبر أن هذا الملك يكون فاجرا ويكون بارا ، ويكون متجبرا ويكون متواضعا ويكون مسيئا ويكون محسنا.
وقال المنجمون مثل ذلك ، فقيل لهم : كيف قلتم ذلك؟ قال الكهنة : قلنا هذا من قبل اللهو والمعازف والباطل الذي صنع عليه ، وما صنع عليه من ضده
____________________
(١) أنبه ـ بشد النون ـ : عنفه ولامه.