وخليتم بين لحمي وسباع الطير وحشرات الارض فأكلت مني النملة فما فوقها من الهوام وصار جسدي دودا وجيفة قذرة ، الذل لي حليف ، والعز مني غريب أشدكم حبا إلي أسرعكم إلى دفني ، والتخلية بيني وبين ما قدمت من عملي ، أسلفت من ذنوبي ، فيورثني ذلك الحسرة ، ويعقبني الندامة ، وقد كنتم وعدتموني أن تمنعوني من عدوي الضار فإذا أنتم لا منع عندكم ولا قوة على ذلك لكم ولا سبيل لكم ، أيها الملا إني محتال لنفسي إذ جئتم بالخداع ، ونصبتم لي شراك الغرور (١).
فقالوا : أيها الملك المحمود لسنا الذي كنا كما أنك لست الذي كنت ، وقد أبدلنا الذي أبدلك ، وغيرنا الذي غيرك ، فلا ترد علينا توبتنا وبذل نصيحتنا ، قال : أنا مقيم فيكم ما فعلتم ذلك ومفارقكم إذا خالفتموه ، فأقام ذلك الملك في ملكه وأخذ جنوده بسيرته واجتهدوا في العبادة فخصبت بلادهم وغلبوا عدوهم وازداد ملكهم حتى هلك ذلك الملك ، وقد صار فيهم بهذه السيرة اثنين وثلاثين سنة فكان جميع ما عاش أربعا وستين سنة.
قال يوذاسف : قد سررت بهذا الحديث جدا ، فزدني من نحوه أزدد سرورا ولربي شكرا.
قال الحكيم : زعموا أنه كان ملك من الملوك الصالحين وكان له جنود يخشون الله عزوجل ويعبدونه ، وكان في ملك أبيه شدة من زمانهم والتفرق فيما بينهم وتنقص العدو من بلادهم ، وكان يحثهم على تقوى الله عزوجل وخشيته والاستعانة به ومراقبته والفزع إليه ، فلما ملك ذلك الملك قهر عدوه واستجمعت رعيته وصلحت بلاده وانتظم له الملك ، فلما رأى ما فضل الله عزوجل به أترفه ذلك وأبطره وأطغاه حتى ترك عبادة الله عزوجل وكفر نعمه ، وأسرع في قتل من عبدالله ودام ملكه وطالت مدته حتى ذهل الناس عما كانوا عليه من الحق قبل
____________________
(١) الشراك : آلة الصيد.