كان لك في عملي نصيبا ، ثم ركب فسار ما قضى الله له أن يسير ، ثم إنه نزل عن فرسه ووزيره يقود فرسه ويبكي أشد البكاء ، ويقول ليوذاسف بأي وجه أستقبل أبويك؟ وبما أجيبهما عنك وبأي عذاب أو موت يقتلاني ، وأنت كيف تطيق العسر والاذى الذي لم تتعوده وكيف لا تستوحش وأنت لم تكن وحدك يوما قط؟ وجسدك كيف تحمل الجوع والظمأ والتقلب على الارض والتراب ، فسكته وعزاه ووهب له فرسه والمنطقة فجعل يقبل قدميه ويقول : لا تدعني وراءك يا سيدي اذهب بي معك حيث خرجت فإنه لا كرامة لي بعدك وإنك إن تركتني ولم تذهب بي معك خرجت في الصحراء ولم أدخل مسكنا فيه إنسان أبدا ، فسكته أيضا وعزاه ، وقال :
لا تجعل في نفسك إلا خيرا فإني باعث إلى الملك وموصيه فيك أن يكرمك و يحسن إليك.
ثم نزع عنه لباس الملك ودفعه إلى وزيره وقال له : البس ثيابي وأعطاه الياقوته التي كان يجعلها في رأسه ، وقال : انطلق بها معك وفرسي وإذا أتيته فاسجد له وأعطه هذه الياقوتة وأقرئه السلام ثم الاشراف وقل لهم : إني لما نظرت فيما بين الباقي والزائل رغبت في الباقي وزهدت في الزائل ولما استبان لي أصلي و حسبي وفضلت بينهما وبين الاعداء والقرباء رفضت الاعداء والقرباء وانقطعت إلي أصلي وحسبي ، فأما والدي فإنه إذا أبصر الياقوتة طابت نفسه ، فإذا أبصر كسوتي عليك ذكرني وذكر حبي لك ومودتي إياك ، فمنعه ذلك أن يأتي إليك مكروها.
ثم رجع وزيره وتقدم يوذاسف أمامه يمشي حتى بلغ فضاء واسعا فرفع رأسه فرأى شجرة عظيمة على عين من ماء أحسن ما يكون من الشجر وأكثرها فرعا وغصنا وأحلاها ثمرا ، وقد اجتمع إليها من الطير مالا يعد كثرة ، فسر بذلك المنظر وفرح به ، وتقدم إليه حتى دنامنه ، وجعل يعبره في نفسه ويفسره فشبه الشجر بالبشرى التي دعا إليها وعين الماء بالحكمة والعلم ، والطير بالناس الذين يجتمعون إليه ويقبلون منه الدين ، فبينا هو قائم إذ أتاه أربعة من الملائكة