فلا تغفل (١).
ثم اعلم أنه اختلفت الامة في المراد بالاعتزال في الآية ، فقال فريق منهم : المراد ترك الوطي لا غير ، لما روي من أن أهل الجاهلية كانوا يجتنبون مؤاكلة الحيض ومشاربتهن ومساكنتهن كفعل اليهود والمجوس ، فلما نزلت الآية الكريمة عمل المسلمون بظاهر الاعتزال لهن وعدم القرب منهن فأخرجوهن من بيوتهم فقال ناس من الاعراب : يا رسول الله البرد شديد ، والثياب قليلة ، فان آثرناهن بالثياب هلك ساير أهل البيت ، وإن استأثرنا بها هلك الحيض ، فقال صلىاللهعليهوآله : إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ، ولم يأمركم باخراجهن من البيوت كفعل الاعاجم.
وأكثر علمائنا قائلون بذلك ، ويخصون الوطي المحرم بالوطي في موضع الدم أعني القبل لا غير ، ويجوزون الاستمتاع بما عداه ، ووافقهم أحمد بن حنبل وقال السيد المرتضى رضياللهعنه : يحرم على زوجها الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها ، ووافقه بقية أصحاب المذاهب الاربعة.
واستدل العلامة طاب ثراه على ذلك في المنتهى بما حاصله أن المحيض في قوله تعالى « فاعتزلوا النساء في المحيض » إما أن يراد به المعنى المصدري ، أو زمان الحيض ، أو مكانه ، وعلى الاول يحتاج إلى الاضمار ، إذ لا معنى لكون المعنى المصدري ظرفا للاعتزال ، فلا بد من إضمار زمانه أو مكانه ، لكن الاضمار خلاف الاصل ، وعلى تقديره إضمار المكان أولى ، إذ إضمار الزمان يقتضي بظاهره
____________________
(١) لكنك عرفت في ج ٨٠ ص ٨٨ أن دم الحيض نجس لا يعفى عنه في الصلاة لكونه دما مسفوحا ، وعرفت آنفا أن المراد بالتطهر في ني القرآن هو الاغتسال واذا كان التطهر للصلاة واجبة في مورد الجنابة بعنوان الشرط لقوله تعالى : « وان كنتم جنبا فاطهروا » افاد أن خلاف التطهر أياما كان مانع عن الدخول في الصلاة ، واذا كانت الحائض غير متطهر بحكم الاية لزمها القعود عن الصلاة حتى يطهر ويطهر بالاغتسال ، ومثلها المستحاضة والنفساء بحكم السنة.