توهم أن القوة ـ على الإطلاق ـ قبل الفعل ومتقدمة عليه لا في الزمان وحده ، وهذا شيء قد مال إليه عامة من القدماء ، فبعضهم جعل للهيولى (١) وجودا قبل الصورة ، وأن الفاعل ألبسها الصورة بعد ذلك إما ابتداء من نفسه وإما لداع دعاه إليه ، كما ظنه بعض الشارعين فيما لا يعنيه ولا له درجة الخوض في مثله.
فقال : إن شيئا كالنفس وقع له فلتة (٢) أن اشتغل بتدبير الهيولى وتصويرها فلم يحسن التدبير ولا كمل (٣) لحسن (٤) التصوير ، فتداركها الباري تعالى وأحسن تقويمها. ومنهم من قال : إن هذه الأشياء (٥) كانت في الأزل تتحرك بطباعها (٦) حركات غير منتظمة ، فأعان الباري تعالى (٧) طبيعتها ونظمها. ومنهم من قال : إن القديم (٨) هو الظلمة أو الهاوية أو شيء لا يتناهى لم يزل ساكنا ، ثم حرك ، أو الخليط الذي يقول به أنكساغورس. وذلك لأنهم قالوا : إن القوة تكون قبل الفعل ، كما في البذور والمني وفي جميع ما يصنع ، فبالحري أن نتأمل (٩) هذا ونتكلم فيه.
فنقول (١٠) : أما (١١) الأمر في الأشياء (١٢) الجزئية الكائنة الفاسدة فهو على ما قالوا ، فإن القوة فيها قبل الفعل قبلية في الزمان ، وأما الأمور الكلية أو المؤبدة (١٣) التي لا تفسد وإن كانت جزئية فإنها لا تتقدمها التي (١٤) بالقوة البتة. ثم القوة متأخرة بعد هذه الشرائط من كل وجه ، وذلك لأن القوة إذ ليست تقوم بذاتها فلا بد لها من أن تقوم بجوهر يحتاج أن يكون بالفعل ، فإنه إن لم يكن صار (١٥) بالفعل فلا يكون مستعدا لقبول شيء (١٦) ، فإن ما هو ليس مطلقا فليس ممكنا أن يقبل شيئا.
__________________
(١) للهيولى : الهيولى ط
(٢) فلتة : فلبته ص ؛ قلبه م
(٣) كمل : لحمل ج ، كل ط
(٤) لحسن : بحسن ج ، ص ، م ؛ يحسن ط
(٥) الأشياء : + كالنفس ج
(٦) بطباعها : لطباعها ط
(٧) تعالى : ساقطة من ب ، ج ، د ، م
(٨) القديم : القدر ط. (٩) نتأمل : + فى ج
(١٠) فنقول : ونقول د. (١١) أما : إن ج ، د ، ط
(١٢) الأشياء : أشياء ط. (١٣) أو المؤبدة : والمؤبدة د
(١٤) التي : إلى ط. (١٥) صار : حياط
(١٦) شىء : الشىء د ، ط.