* * *
أقول : إنما أوردت الرسالة بتمامها ، لاشتهارها بين علمائنا المتأخرين ، وتعويلهم عليها في أحكام القبلة ، لكن العلامات التي ذكرها ره كثير منها مخالفة للتجربة ، والقواعد الهيئاوية ، بل لايوافق بعضها بعضا ، ولم نتكلم في ذلك ، لان استيفاء القول فيها يوجب بسطا لايناسب الكتاب والرجوع إلى القواعد الرياضية ، والآلات المعدة لذلك من الاسطرلاب والهندسة أضبط وأقوى ، والتعويل عليها أحوط وأولى ، إذ بعد استعلام خط نصف النهار ينحرف عنه إلى اليمن وإلى الشمال بقدر ما استخرجوه من انحراف كل بلد.
وتفصيله أن يسوى الارض غاية التسوية ، وقد ذكروا لها وجوها شهرتها عند البنائين تغني عن ذكرها ، ويقام مقياس في وسط ذلك السطح ، ويرسم حول المقياس دائرة نصف قطرها بقدر ضعف المقياس على ماذكروه ، وإن لم يكن ذلك لازما ، بل اللازم أن يكون المقياس بحيث يدخل ظله الدائرة قبل الزوال ويخرج بعده ، ويرصد دخول الظل الدايرة وخروجه عنها ، قبل نصف النهار وبعده ، ويعلم كلا من موضعي الدخول والخروج بعلامة ، وينصف القوس التي بينهما ويوصل بين المنتصف والمركز بخط مستقيم ، فهو خط نصف النهار ، وبخروج رأس ظل المقياس عنه يعرف أول الزوال ، وبقدر الانحراف عنه يمينا وشمالا يعرف القبلة.
ولنذكر مقدار انحراف البلاد المعروفة كما ذكره المحققون في كتب الهيئة ، لئلا يحتاج الناظر في هذا الكتاب إلى الرجوع إلى غيره : فالبلاد التي تكون على خط نصف النهار (١) سمت قبلتهم نقطة الجنوب أو الشمال ، وأما البلاد المنحرفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب ، فبلدتنا اصبهان منحرفة عن نقطة الجنوب إلى اليمين بأربعين
____________________
(١) يعنى الخط الذى يمر على مكة زادها الله شرفا ويقع عليها المدينة وأمثالها.