مسنده ( ٣٨٤٨ ) ، وارتفع هذا الكمّ عند بقية بن مخلد فروى له في مسنده ( ٥٣٧٤ ) ، فكان هو أكثر من كلّ الصحابة المكثرين رواية ، فقلت : ( ومن الطبيعي أن يكون أبو هريرة في أعلا السلّم من حيث الرقم في الكمّ لولا أنّه أنزل نفسه ـ ولعلّه تواضعاً ، أو لم يرقَ لأنّه كان جائعاً أو كان مازحاً فقد كان هو كذلك ـ فأخلى المقام لعبد الله بن عمرو بن العاص ) ، فقال كما في صحيح البخاري في كتاب العلم : ( ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منّي إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص ، فإنّه كان يكتب ولا أكتب ) (١) ، ومرّ بنا قول عمر له : ( لتتركنّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لألحقنك بأرض دوس ) (٢).
وأمّا عن أحاديث أمّ المؤمنين عائشة فدع عنك تذكارها ، لأنّها نيّفت بمروياتها البالغة ( ٢٢١٠ ) حديثاً ، على جميع أحاديث الخلفاء الأربعة وبقية أمهات المؤمنين الثمانية ، وبنات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسبطيه الحسن والحسين عليهما السلام ، وهذا مبلغ لم يبلغه مَن كان قبلها في كنّها وشأنِها مع صغر سنّها.
وإلى آخرين من المكثرين ممن كُمّت الأفواه عن محاسبتهم ، ولا أقل من التشكيك بمروياتهم.
فما بال ابن عباس رضي الله عنه يبقى مُستهدَفاً من دونهم؟ هل لأنّه من أتباع أهل البيت عليهم السلام ومنسوبيهم ، فكان شيعتهم يكذبون عليه في الحديث لصالحهم؟
____________________
(١) أنظر الحلقة الثانية من موسوعة عبد الله بن عباس ١ / ٢٨ ـ ٣٤.
(٢) البداية والنهاية لابن كثير ٨ / ١٠٧.