وضاق به ذرعاً فباعه من خالد بن يزيد بن معاوية ، فعوتب على ذلك ، فاستقاله فأقاله ، فصار عكرمة مع الخوارج متردداً في ضلاله بين فرق النجدات والأباضية والصفرية والبيهسية ، وطاف البلاد شرقاً وغرباً يتسوّل الأمراء ، ويحدثهم بما يشاء كيف يشاء ، ( والخوارج الذين في المغرب عنه أخذوا ) (١).
وأخيراً رجع إلى المدينة فمات بها يوم مات الشاعر كثّير عزّة ، فشهد الناس جنازة كثير وتركوا جنازته (٢). فما حمله أحد وأكتروا أربعة حمّالين (٣).
فهذا هو عكرمة من مبدئه إلى منتهاه ، فهل يصحّ الأخذ برواياته فيما هو متهم فيه؟! إذ هو من الخوارج الذين يكفّرون عليّاً عليه السلام ومَن كان على ملّته ، مضافاً إلى كذبه الذي أشتهر به.
ونحن إنّما نأخذ أحياناً بروايات رواها عكرمة نحسبها عنه وذلك فيما لا يتهم به ، كما لو روى بعض فضائل الإمام عليه السلام فهو أبعد عن الكذب فيها وغير متهم بروايته ، ولكن لمّا تبيّن لنا أنّ ثمة عكرمة آخر من موالي ابن عباس لم يتهم بشيء ، فأحسن الظن أنّ الروايات المستقيمة مروية عن عكرمة هذا الآخر ، وقد بيّنت هذا في بحث ( تلاميذ ابن عباس ) ، فليراجع.
وفي هذه المسألة ـ تحريق الإمام لمن أحرق ونقد ابن عباس له في ذلك ـ رواها عكرمة الخارجي فهو متهم فيها ، إذ رمى عصفورين بحجر كما يقول المثل.
على أنّا نجد البيهقي يسوق خبراً في سننه الكبرى ( باب المنع من أحراق المشركين بالنار بعد الإءسار ) ، بسنده : ( عن سفيان ـ بن عيينة ـ
____________________
(١) سير أعلام النبلاء ٥ / ٥١٠.
(٢) نفس المصدر ٥ / ٥١٩.
(٣) نفس المصدر ٥ / ٥٢٠.