ومثله ابن عربي في كتابه ( محاضرة الأبرار ) (١).
ومهما يكن فالخبر دلّ على معرفة المهدي بموضوعات الأحاديث التي يتزلف بها إليه ذوو الضمائر الخاوية من الإيمان ، فكيف يتزلف إليه بالموضوعات على جدّه ونسبتها إليه ولا يستنكرها؟! وهو مع تفسخ سلوكيته في سيرته وشدّة عناده لأهل البيت عليهم السلام لكن لا ينكر حزمه في ملاحقة الزنادقة الذين أكثروا من وضع الحديث في زمانه ، حتى قال هو : ( أقرّ عندي رجل من الزنادقة أنّه وضع أربعمائة حديث فهي تجول في أيدي الناس ) (٢).
وكم لهذا أمثاله ، ولكن هل يحتمل أنّ تلك الموضوعات طالت مرويات ابن عباس؟ ولو كان لها منها نصيب ، لم يعاقبهم المهدي على الزندقة ، ولأظهرَ للناس انّه إنّما عاقبهم لأنّهم وضعوا الأحاديث أو نسبوها زوراً إلى جدّه عبد الله بن عباس ، وهذا لم يرد في شيء من المصادر المعنيّة بذلك ، ولو كان لشاع وذاع كما في خبر غياث بن إبراهيم المتقدم.
وغياث مثال للنموذج الخائب الخاسر ، وفي مقابل نموذج آخر ، حيّ في ضميره وحرّ في تفكيره ، يقول كلمة الحق وإن ثقلت على مسامع الحاكم ، وذلك هو شريك بن عبد الله النخعي القاضي ، وإلى القارئ خبره :
أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه محاورة جرت بين المهدي
____________________
(١) محاضرة الأبرار ١ / ٤٥١.
(٢) الكامل لابن عدي ١ / ١٥٥.